غزة ــ رائد لافيرام الله ــ أحمد شاكر

مسار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية لم يقف عند حدود مجزرة أول من أمس في قطاع غزة، إذ يبدو أن غياب أي رادع داخلي أو دولي يمنح سلطات الاحتلال ضوءاً أخضر لمزيد من الإجرام


لم يكد فلسطينيو قطاع غزة يصحون من هول مجزرة أول من أمس، التي أوقعت 20 شهيداً، حتى باغتتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بمجزرة ثانية استشهد فيها شقيقان ونجل أحدهما، بينما كان الحداد والإضراب العام عنواناً للوحدة بين القطاع والضفة الغربية، التي شهدت أيضاً جريمة اغتيال أحد قياديي حركة «الجهاد الإسلامي».
وفيما تواصلت ردود الفعل والإدانات لجريمة أول من أمس، ولا سيما من طهران التي حمّلت الرئيس الأميركي جورج بوش مسؤوليتها، أعلن رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، أنه لا مكان للتهدئة بعد اليوم، مشيراً إلى إلغاء أي صفقة تبادل كان من الممكن عقدها لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي هدّدت الحركة بـ«حسم مصيره».
واستشهد عامر اليازجي (36 عاماً) وشقيقه محمد (24 عاماً) ونجله أمير (12 عاماً)، وأصيب خمسة آخرون، عندما أصاب صاروخ أطلقته مروحية إسرائيلية السيارة التي كانت تقلهم، «عن طريق الخطأ»، بحسب التبرير الإسرائيلي.
وقالت مصادر محلية وشهود عيان إن القصف الجوي الإسرائيلي كان يستهدف سيارة تقل مقاومين من أولوية الناصر صلاح الدين، الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية، في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، غير أن الصاروخ أصاب عن طريق الخطأ سيارة مدنية كانت تسير خلف المستهدفين.
وقالت مصادر طبية فلسطينية في مستشفى الشفاء إن جثث الشهداء الثلاثة وصلت إلى المستشفى أشلاء ممزقة ومحترقة، كاشفةً عن قذائف صاروخية من نوع جديد شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في استخدامها في عمليات الاغتيال في الآونة الأخيرة، تحدث تشوّهات شديدة في أجساد الشهداء.
وفي إطار ضحايا الحصار من المرضى، استشهدت الطفلة المريضة شيرين أبو شوارب (11 عاماً)، بعد منعها من مغادرة القطاع لتلقي العلاج من مرض في القلب، ليرتفع عدد الشهداء من المرضى خلال الشهور السبعة الماضية إلى 70 مريضاً.
في هذا الوقت، قال وزير الصحة في حكومة اسماعيل هنية، الدكتور باسم نعيم، إن أكفان الشهداء والموتى على وشك النفاد من القطاع، بعد نفاد الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل التصعيد العسكري الخطير، والحصار وإغلاق المعابر. وحذر من «كارثة صحية وإنسانية ستحول غزة إلى منطقة منكوبة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وفرض الحصار».
وأعلنت كتائب القسام، في بلاغات عسكرية منفصلة، مسؤوليتها عن إطلاق نحو 60 صاروخاً وقذيفة هاون باتجاه البلدات والأهداف الإسرائيلية ليل الثلاثاء الأربعاء.
وأقرّت مصادر إسرائيلية بسقوط نحو 30 قذيفة صاروخية في منطقة النقب الغربي المتاخمة للقطاع، وإصابة تسعة إسرائيليين بجروح بينهم امرأة، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي عن بعض أحياء بلدة سديروت الواقعة على بعد كيلومتر واحد في الشمال الشرقي لبلدة بيت حانون، شمال القطاع، بعد إصابة صاروخ فلسطيني محوّلاً رئيسياً للكهرباء.
وفي وقت حافظت فيه قوات الاحتلال على وتيرة عملياتها العدوانية، خيمت أجواء من الحزن الشديد على مدن القطاع، احتجاجاً على المجازر الإسرائيلية. وأغلقت الجامعات والمدارس، والمؤسسات الحكومية والأهلية، والمحال التجارية، أبوابها، التزاماً بدعوتين منفصلتين بإعلان الحداد والإضراب العام أصدرتهما حكومة هنية في غزة، وحكومة سلام فياض في رام الله.
وفي دمشق، أعلن خالد مشعل أن العدوان الإسرائيلي بدّد احتمالات إتمام عملية تبادل سجناء. وقال «هذا الذي تفعلونه سيحرمكم من أي خطوة يمكن أن تراهنوا عليها. لا تبادل جلعاد شاليط ولا تهدئة ولا من يحزنون». وأضاف «إذا ظن (رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت) أنه سيخفض سقفنا بهذه المجازر فهو واهم. مطالبنا هي مطالبنا، لن يرى جلعاد شاليط النور إلا إذا رأى أبناؤنا وبناتنا البواسل النور والحرية».
وقال مشعل، في مؤتمر صحافي، «هذا الدم الفلسطيني لن ينقذكم بل سيغرقكم، هذا سيظل لعنة عليكم وعلى كيانكم المسخ الإرهابي». وطالب السلطة الفلسطينية باتخاذ موقف صارم من الهجمات الإسرائيلية عن طريق وقف كلي لمفاوضات الحل النهائي، التي وصفها بالعبثية.
وفي السياق، هدد الناشط في حركة «حماس»، ربحي الرنتيسي، في حديث إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، بحسم مصير شاليط. وقال «لا أريد أن أبدو كمن يهدد، لكنكم على ما يبدو تنسون أن لديكم رهينة اسمها جلعاد شاليط، وأنتم لا تريدون حسم مصيره».
وذكر متحدث باسم الحكومة الفلسطينية المقالة أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أكد في اتصال هاتفي الأربعاء مع هنية أن «مجزرة غزة» الإسرائيلية جاءت بضوء أخضر من بوش. وأضاف أن الرئيس الإيراني «قدم التعازي للشعب الفلسطيني وللدكتور محمود الزهار».
كذلك، عبّر وزير الإعلام السوري، محسن بلال، عن «استنكار سوريا الشديد للجريمة البشعة في غزة»، ورأى أن بوش «أعطى الضوء الأخضر خلال زيارته المنطقة لهذا العدوان على الشعب الفلسطيني».
وفي الضفة الغربية، اغتالت وحدة المستعربين في مدينة قباطية، القريبة من جنين، أمس، قائد «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، وليد العبيدي «أبو القسام»، الذي وصفته مصادر إسرائيلية بأنه «صيد ثمين».
وأعلنت قيادة «سرايا القدس» في الضفة، في بيان صحافي، حالة النفير العام في صفوف مجاهديها، مؤكدة أن عملية اغتيال «أبو القسام» لن تقابل إلا بردّ موجع في الوقت والمكان المناسبين.