strong>مهدي السيد
تقاطعت تعليقات المحللين الإسرائيليين حول عدوان الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة عند جملة من المعطيات، أهمها أن الأوضاع تسير نحو الانفجار الكامل في ظل غياب استراتيجية إسرائيلية موحدة ومنسقة بين المستويين السياسي والعسكري، ووضع العدوان الأخير ضمن خانة الانتقام والثأر بمفعول رجعي رداً على ما قامت به فصائل المقاومة خلال زيارة الرئيس جورج بوش إلى إسرائيل، إضافة إلى طرح سؤال مركزي بشأن وجهة الأمور واللحظة التي تحطم فيها حماس «كل الأواني».
وقال المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، إن إسرائيل تنجرّ في الواقع بحذر إلى داخل القطاع. وشبّه ربابورت «ما يحصل في غزة الآن بما حصل خلال حرب لبنان الثانية في أسابيعها الأولى، لجهة استخدام سلاح الجو أولًا للقضاء على خطر الصواريخ، ثم الانتقال لاحقاً إلى العملية البرية، وهو ما قد يحصل في غزة وعاجلاً جداً إذا استمر تفاقم الوضع وفق وتيرة الأيام الماضية».
وبحسب ربابورت، فإن ما يحول في هذه المرحلة دون حصول حملة برية واسعة حقيقية في قطاع غزة، هو «الخوف المسبب للشلل من مغبة تأليف لجنة فينوغراد ثانية، والخشية الكبيرة من وقوع عشرات القتلى على الأقل، وكذلك اعتبارات لها علاقة بالأحوال الجوية».
وتوقف ربابورت عند تصريحات لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي رآها إشارة إلى خطط الجيش الإسرائيلي لتنفيذ خطوة برية واسعة في قطاع غزة، «وهو ما يتناقض مع كلام إيهود أولمرت قبل يومين». وعليه، يقول ربابورت إنه «في ضوء هذه الفجوة في التوجهات، يُطرح السؤال عن ماهية السياسة الإسرائيلية. الجواب هو أنه لا سياسة».
بدوره، رأى المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، أنه «من الغريب جدّاً كيف أنه لا أحد يريد التصعيد في غزة، فيما الجميع يفعلون كل شيء كي يتحقق. فكل طرف مقتنع بأنه قادر على السيطرة على مستوى اللهيب وإملاء وتيرة التدهور. غير أن الطرفين يخدعان نفسيهما». وبحسب فيشمان، «ثمة هنا مسيرة تدريجية من فقدان السيطرة تؤدي بالطرفين الى صدام محتم».
وإذ أشار فيشمان إلى أنه «منذ الانقلاب العسكري لحماس في غزة، تدور على حدود القطاع حرب استنزاف»، يرى أن «من الصعب التحرر من الإحساس بأن الجيش الاسرائيلي صفّى أمس الحساب». رادّاً ذلك إلى «ما حدث في اثناء زيارة بوش عندما طُلب من الجيش خفض مستوى الاهتمام، الأمر الذي استغلّته حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما جعل الجيش يعمل على أن يدفعا الثمن لقاء ذلك».
ويرى فيشمان أنه إلى جانب هذا الضغط العسكري، تستخدم اسرائيل «روافع اخرى ضد حماس مثل ضرب المنظومة المالية، الاقتصاد، جودة الحياة لسكان غزة. إضافة الى عمليات اغتيال نشطاء عسكريين». ومع ذلك، يضيف فيشمان أن «الجيش الإسرائيلي لم يستخدم بعد رافعة الاغتيالات التي تستهدف أوساط القيادة السياسية العليا في القطاع ورافعة الضرب المكثف للبنى التحتية ورموز الحكم في غزة». وهو يرى أن «هذا النهج سيأتي، وبأسرع مما يتوقعه كثيرون».
في هذه الأثناء، يُطرح السؤال في إسرائيل عن المرحلة التي تؤدي فيها «جملة الروافع التي تستخدمها اسرائيل إلى ذاك الشرخ الذي يدفع حماس إلى تحطيم كل الأواني وجر الجيش الاسرائيلي الى داخل القطاع؟». وبحسب فيشمان، «هذه بالضبط هي المسألة التي يحطمون في المؤسسة الأمنية رؤوسهم عليها: إلى اين يمكن شد الحبل دون تمزيقه؟».
ويعتقد فيشمان أن «19 قتيلًا في يوم لا يمثّلون الذريعة التي تدفع حماس الى تغيير السياسة. ومع ذلك فقد ألمحت حماس، من خلال ردّها أمس، كيف يبدو لديها تحطيم الأواني: نار قناصة على مزارعين، غراد على عسقلان، وتقريباً 30 صاروخ قسام نحو مستوطنات غلاف غزة، وبالأساس نحو سديروت. هذه كانت نماذج فقط. وتقدر المؤسسة الأمنية أن حماس يمكنها أن تضاعف هذه الأعداد وأن تطلق عشرات الصواريخ في اليوم على مدى فترة طويلة ـــــ حتى في اللحظة التي ينفذ فيها الجيش الاسرائيلي نشاطاً ناجحاً جداً».
ويتطرق فيشمان إلى الدروس المستقاة من العدوان الأخير، فيرى أن «العمليات الجزئية لن توقف صواريخ القسام، وأن الاجتياح العسكري، مهما كان ناجحاً، وحتى احتلال اجزاء من القطاع، لن يوقف النار. وبالعكس، فإن من شأنها أن تزيد من حدتها». وفي رأيه، فإن «صواريخ القسام ستتوقف، مؤقتاً على الأقل، إما بتسوية مع حماس أو باحتلال كامل للقطاع. وهذا هو المفترق الذي يتم الاقتراب منه بسرعة».
ويختم فيشمان بالقول «ثمة خيار عسكري، وآخر سياسي. كلاهما غير مضمون، كلاهما مؤقت، ولكليهما أثمان. على الحكومة أن تقرر ما هو الأكثر جدوى لنا».