strong>مي الصايغ
مع تولي حلف شمالي الأطلسي مسؤولية المنسق الاستراتيجي لقوة المساعدة الأمنية الدولية «إيساف» في أفغانستان صيف 2003، دخل الحلف في التزام سياسي مثّل له تحدياً على التكيف مع المتطلبات الأمنية للقرن الحادي والعشرين. فهو الآن مستعدٌّ وراغبٌ في المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب خارج نطاق المنطقة الأوروبية ـ الأطلسية.
ومع استعداد «الأطلسي» للتأقلم مع مهماته الجديدة، يواجه تحدّي استعادة حركة «طالبان» في أفغانستان لنفوذها، ما يقلب الأمور رأساً على عقب بالنسبة إلى «إيساف»، ويجبرها على المشاركة في عمليات عسكرية ونشر جنودها في جميع الأراضي الأفغانية، التي باتت ساحة اختبار لقدرة الحلف على تحقيق التحوّل المنشود. وبالتالي يمثل ضمان نجاح هذه المهمة حجر الزاوية بالنسبة إلى الحلف وإلى أفغانستان على حد سواء.
لقد فرضت التطورات الميدانية في أفغانستان عام 2006، إثر الاعتداء على فريق الإعمار النروجي في شباط من هذا العام، الحاجة إلى تحول في استراتيجية «إيساف»، بدأ مع عملية «ميدوسا» التي انطلقت في صيف العام نفسه، بمشاركة قوات الأمن الأفغانية، لمطاردة أنصار «طالبان» في معقل الحركة في الجنوب الأفغاني.
ومنذ تسلم «إيساف» القيادة من القوات الأميركية في المناطق الجنوبية، أخذت على عاتقها مهمات مطاردة أنصار حركة «طالبان» وقصف مواقعهم. وكانت المراحل الثلاث السابقة قد تمثلت في تكليفها حفظ الأمن في العاصمة كابول وشمال البلاد ثم غربها. وتم توسيع مهمات القوات الدولية إلى الجنوب في تموز عام 2006 لتفاجأ، بحسب قيادة الحلف، بعنف الهجمات المسلحة. وحتى الآن لم تكن تنشط في المناطق الشرقية سوى قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في ما يسمى «عملية الحرية الدائمة».
وجود القوتين خلق تنازعاً على صعيد توزيع الأدوار ومناطق المسؤولية. ورغم أن الإدارة الأميركية طالبت في عام 2005 بدمج «إيساف» ضمن قوات عملية الحرية الدائمة؛ إلا أن حلفاءها عارضوا ذلك، في ضوء اختلاف طبيعة عملياتهما وجدول أعمالهما وأهدافهما الاستراتيجية والإدارية للتدخل في أفغانستان؛ ففي حين أن الولايات المتحدة تعمل من أجل خلق «أطلسي جديد»، قادر على تنفيذ مهمات خارج الساحة الأوروبية التقليدية، أي في آسيا الوسطى وأفريقيا والشرق الأوسط، دعماً لاستراتيجيتها العالمية وسياستها الخارجية، لا يقاسم بعض حلفاء واشنطن من الأوروبيين هذه الرؤية، ولا يتعاطفون مع رغبتها في تحويل أفغانستان إلى دولة «تابعة» تحت راية «الأطلسي»، يمكن أن تنطلق منها الولايات المتحدة إلى آسيا الوسطى والخليج وجنوب آسيا.
وعزت المديرة السابقة للاستراتيجية الدفاعية في مجلس الأمن القومي الأميركي، كوري شايك، في دراسة تحت عنوان «مهمة الأطلسي الكبرى وتحدّي أفغانستان»، وجود نوعين من المهمات في أفغانستان إلى تردد الحلفاء الأوروبيين وعدم رغبتهم في الانخراط بالعمليات القتالية في الجنوب الأفعاني.
ورأت مديرة البرنامج الأوروبي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جوليان سميث أن مهمة الحلف في أفغانستان معرضة للفشل لأن الدعم السياسي في العواصم الأوروبية قلل من قدرة «الأطلسي» على مواصلة عمله.
وفي السياق، كشفت صحيفة «صنداي تلغراف» عن احتمال مواجهة القوات البريطانية «لخسارة ميدانية» في أفغانستان بسبب عدم توفير الحكومة البريطانية التمويل الكافي لها. ونقلت عن الجنرال لورد غوثري كريغيبانك، الذي كان قائداً للجيش البريطاني عام 2001، تصوره «أن الفشل الميداني والتكتيكي في أفغانستان لم يعد أمراً مستحيلاً، وأن الجيش البريطاني على حافة الانهيار ما لم تتخذ الحكومة إجراءات حذرة وجادة».
وذهبت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إلى الحديث عن مخاوف من حرب طائفية في أفغانستان بسبب فشل «الأطلسي». ونقلت عن المبعوث السابق للأمم المتحدة في البوسنة، اللورد أشدون، تقويمه للوضع الحالي في أفغانستان بأن «الأطلسي» ضلّل الطريق في أفغانستان وأن إخفاقه في تعزيز الاستقرار يمكن أن يؤدي إلى حرب طائفية إقليمية واسعة النطاق. ورأى «أن الخسارة في أفغانستان أسوأ من الخسارة في العراق. وهذا معناه سقوط باكستان، وعواقب وخيمة داخلياً لأمن دولنا وإثارة حرب إقليمية واسعة بين السنة والشيعة».
وأمام مخاوف الفشل، لا تزال دول الحلف تسد آذانها في وجه أي طلب بإرسال جنودها إلى الجنوب الأفغاني؛ فالألمان يرون أنهم أرسلوا 2900 جندي ولا يمكنهم إرسال أكثر من 100 جندي إضافي، وتركيا رفضت إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان، وإسبانيا رأت أن الـ690 جندياً الذين أرسلتهم إلى هناك «أكثر مما يلزمها»، والإيطاليون التمسوا عذرهم في عدد الجنود الذين سيرسلونهم إلى لبنان. وصربيا، التي كان «الأطلسي» يعوّل عليها، أكدت أنها «لن تساهم سوى بخمسة ضباط متخصصين في أمن المطارات».
ومع تجاهل الدول المشاركة في «إيساف» استغاثات الولايات المتحدة لزيادة عديدها وعتادها في أفغانستان، أعلنت واشنطن نيتها إرسال 3200 جندي إضافي لدعم القوات الموجودة هناك، تحسباً لهجوم الربيع الذي تعتزم حركة «طالبان» شنه.
وتبقى صعوبتان تواجهان «إيساف» لا يمكن تذليلهما بسهولة؛ الأولى هي اعتماد الاقتصاد الأفغاني على زراعة الأفيون وتجارة المخدرات. وإتلاف هذه التجارة المزدهرة كاف وحده لجعل سكان أفغانستان معادين للأجانب. والصعوبة الثانية هي طبيعة الحدود الأفغانية التي تسهل تسرب الجماعات المسلحة إلى الداخل الأفغاني، وبالتالي عدم قدرة «إيساف» على قطع الإمداد الحيوي للمقاتلين.
عام 1980 فشل الاتحاد السوفياتي في السيطرة على أفغانستان، وأرغم على الانسحاب، رغم زجه ما يقارب مئة ألف جندي في المعركة، فهل ستواجه «إيساف» المصير نفسه، أم أن سيطرتها على قلعة موسى ستنسحب على باقي مناطق الجنوب الأفغاني؟