باريس ـ بسّام الطيارة
تتّفق الصحف الفرنسيّة على اعتبار أنّ مؤشّر ثقة الفرنسيّين برئيسهم نيكولا ساركوزي تسير بتراجع أكيد، وأنّ الأمر لم يعد مرتبطاً «بطريقة توجيه السؤال» بل بات «توجّهاً عامّاً» تتلوّن به استطلاعات الرأي الأخيرة لدرجة لم تستطع معها صحيفة «لو فيغارو»، التي يملكها سيرج داسو، صاحب مصانع طائرات «الميراج» و«الرافال»، والمقرّب من ساركوزي وحزبه الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبيّة»، إلا أن تجعل من هذا الموضوع عنوانها الأوّل: «بات عدد معارضي سياسة الرئيس أكبر من مؤيّديه».
يحصل كلّ هذا بتناقض واضح مع قوانين علم التواصل الإعلامي، إذ إنّ ساركوزي «يحتلّ بقوّة الواجهة الإعلاميّة»، وهو حاضر في كلّ شاردة وواردة سياسيّة، إضافة إلى شغله الناس بقضيّة «زواجه المعلن وغير المعلَن» بكارلا بروني من جهة، وأخبار سفراته المتوالية وأرقام «العقود التجارية التي يوقّعها» خلالها.
إلا أنّه يبدو أن هذا «الزخم الإعلامي المتناقض في توجّهاته وفي رسائله التواصليّة»، بدأ يصيب المواطن الفرنسي ببعض الملل، وخصوصاً أنّ أهمّ وعود «المرشّح ساركوزي» المتعلّقة برفع مستوى القوّة الشرائيّة ما زالت غائبة عن ساحة التنفيذ، مع اعترافه بأنّ «الخزينة فارغة» وأنّه لا يملك حلولاً سحرية لمعالجة البطالة ورفع نسب النموّ الذي يتراجع تحت وطأة ارتفاع اليورو، ما يعوق التصدير، وارتفاع أسعار النفط، ويثقل فاتورة الاستيراد ويكبّل العجلة الصناعية ويزيد من البطالة.
ويرى بعض المحلّلين أنّ المواطن لم يعد أمامه في ظلّ هذه اللوحة القاتمة، إلا ما تعبّئه به وسائل الإعلام من أخبار «نيكولا وكارلا وأحجيّة زواجهما» وحتى أخبار «العقود التجارية التي يوقّعها الرئيس»... التي أصبحت بدورها عاجزة عن رفع شعبيّته. ومن المعروف أنّ العقود التجارية الموقّعة في الخارج ترفع من شعبية الزعماء في فرنسا حيث لا يخجل رئيس الجمهورية من استعمال لقب «بائع متجوّل في خدمة الصناعة الفرنسية». غير أنّ ذلك لم يمنع من تسجيل تراجع لـ«قوّة التأثير التواصلية للعقود التجارية» في عهد ساركوزي، وذلك بسبب «الإفراط في استعمالها»، وخصوصاً بعد زيارة الزعيم الليبي معمّر القذافي وتبيان أن معظم ما جرى الإعلان عنه كان «مشاريع عقود». كما تبيّن أن الإعلان عن «عقود بأربعين مليار يورو مع السعودية» كان مفرطاً في التفاؤل بعدما أعلنت مصادر عديدة أنها «عقود يجب وضع الأسس لها».
ويرى بعض المراقبين أنّ الإعلان عن «بيع مفاعلات نوويّة سلميّة» لا يجد أي صدى إيجابي لدى الرأي العام؛ فالصورة مشوّشة ويصعب التمييز بين النووي السلمي والعسكري. كما أنّ جميع الدول التي أعلن ساركوزي رغبته ببيعها مفاعلات نووية هي دول عربية إسلامية، في ظلّ ما يتابعه المواطن العادي من «إمكان خوض حرب مع إيران» بسبب برنامجها النوويّ.
ومع إعلان سيّد الإليزيه، في ختام جولته الخليجيّة، توقيع اتفاق لـ«إقامة قاعدة عسكريّة فرنسيّة في الإمارات»، وقع صدى هذا الإعلان كأنه تحضير لحرب مقبلة في الخليج.
وتلقّف زعيم حزب اليمين المتطرّف جان ماري لوبان هذا الإعلان، ورأى أنه خطوة «تبعيّة» للجيش الأميركي. وأشار لوبان إلى أنّ الجيش الفرنسي «سيؤدي دوراً مكمّلاً للجيش الأميركي»، مضيفاً «إنّ انحياز نيكولا ساركوزي إلى الولايات المتحدة يأخذ فجأة تحوّلاً مقلقاً للغاية».
ويأتي الإعلان عن إنشاء القاعدة الفرنسيّة في الوقت الذي شدّدت فيه المتحدّثة باسم وزارة الخارجية باسكال أندرياني، في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، على ضرورة التزام طهران «تعليق كل الأنشطة الحسّاسة وخاصة تخصيب اليورانيوم، وتنفيذ البرتوكول الإضافي المتعلّق بإجراءات الشفافية»، وبالتالي، فإنّ عليها أن «أن تثبت أنّ البرنامج النووي الذي تنفّذه ليست له أغراض عسكريّة».
وفي مسلسل ساركوزي ــــ بروني المتواصل، وفيما صوّت البرلمان الفرنسي على المعاهدة الأوروبية (التي أقرّتها قمّة لشبونة الشهر الماضي كبديل عن الدستور)، رأى زعيم الاشتراكيّين في البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أنه «من المؤسف أن تحلّ أخبار الحياة الخاصّة للرئيس الفرنسي مكان مواضيع الساعة الأوروبية على صفحات الجرائد وفي مختلف وسائل الإعلام الأوروبية».