منذ فوز حزب «العدالة والتنمية» بالانتخابات التشريعيّة، ومن ثمّ الرئاسيّة، في تركيا خلال الصيف الماضي، ممتطياً حصان الإنجازات الاقتصاديّة التي يتفاخر بتحقيقها منذ تأليفه حكومة عام 2002، لا ينفكّ يطمئن ناخبيه إلى أنّ مستقبل بلاده على الخريطة السياسيّة في الشرق والغرب سيكون باهراً؛ طمأنة ينطلق في سبيلها من أمرين: نسبة النموّ التي حقّقها، والتي زادت منذ 6 سنوات على معدّل 7 في المئة، وسعيه الدؤوب إلى دخول النادي الأوروبي بدافع اقتصادي في الأساس.لكن، مخطئاً كان من توقّع ألا تحمل الجهود الإسلاميّة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي مطبّات ومعطيات تنقلب على السمعة الاقتصادية لحكومة رجب طيّب أردوغان؛ فليس للاتحاد فقط شروط سياسيّة وقانونية على أنقرة تلبيتها قبل قبولها في «الجنّة» الأوروبية، بل أيضاً معايير اقتصادية يجب تطبيقها على الإحصاءات والدراسات التي تبيّن مقاتل الاقتصاد التركي من مكامن قوّته.
ونُشرت أمس النتائج النهائية للإحصائيّة الرسميّة التي أجرتها مؤسّسة «توركستات» عن نسب البطالة والعمالة في تركيا، بناءً على الأسس والمعايير المعتمَدة في مؤسّسات الاتحاد الأوروبي ودوله. والنتيجة جاءت سلبيّة بما أنها خلصت إلى أنّ نسب البطالة في البلاد تطال 9,7 في المئة من الأتراك.
وعلى الفور، أثارت النتيجة تضارباً في التفسيرات والتحليلات، ملأت صفحات الجرائد التركية، ولا شكّ أنها ستتطوّر في الأيّام المقبلة القليلة، لتصبح مادّة سجال سياسي محتدم في البلاد، بما أنّ العنوان الانتخابي الأوّل للحزب الحاكم، والذي دفع الملايين من الأتراك (ومن بينهم العلمانيّون) إلى توكيله تمثيلهم، كان رزمة من الإصلاحات الاقتصادية، قائماً على: رفع نسبة العمالة في المجتمع التركي الشاب، من خلال خفض الضرائب عن أرباب العمل لتشجيعهم على توظيف أكبر عدد ممكن من الشباب.
وجاء في أبرز نتائج الإحصائيّة أنّ نسب البطالة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أي بعد سيطرة «العدالة والتنمية» على رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية، لا تزال تقريباً على ما كانت عليه في الأشهر نفسها من العام الماضي، حتّى إنها أسوأ في بعض الحالات. فالبطالة في المجتمع الريفي، بلغت في 2007 نحو 6.6 في المئة بينما كانت في 2006، 6.4. أمّا في المدن، فوصلت إلى 11,8 في المئة.
وموجة السجال انقسمت إلى معسكرين: فبين المتخصّصين الاقتصاديين من رأى أنه لا يمكن الانطلاق من هذه الأرقام لاستخلاص النتائج، لكون المعايير الأوروبية لا تأخذ بالحسبان الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية التركية. فعلى سبيل المثال، أنيس باغاديوغلو، وهو مسؤول في نقابة العمّال الأتراك، قلّل من قيمة الدراسة الإحصائيّة، مشيراً إلى أنها لم تلحظ مثلاً العمل الموسمي الذي يعيل الملايين سواء في قطاع الزراعة (حيث يعمل 25,9 في المئة) أو الخدمات (47,7 في المئة).
وعلى عكس ما ذهب إليه باغاديوغلو، أبدت مؤسسة «أنكا» عدم ثقتها بالنتائج، لأنها لا تعكس الواقع، الذي رأته أسوأ بكثير ممّا خلصت إليه الدراسة. وتوقّف خبراء «أنكا» عند نموذج العمالة الموسمية التي أخذت بها الدراسة، والتي وصفتها بـ«البطالة المقنّعة» (العاملين بأقل من 40 ساعة شهرياً)، فرأوا أنّه إذا عُدّ هؤلاء عاطلين من العمل، فإن نسبة البطالة تكون قد ارتفعت إلى عتبة الـ5 ملايين، أي ما يناهز 18,2 في المئة.
بين الأخذ والردّ، لا شكّ في أنّ طرفين سيقطفان ثمار التقرير الرسمي السلبي بشأن الاقتصاد التركي: أولهما خارجي يتمثّل بالاتحاد الأوروبي الذي سيكرّر أنّ الاقتصاد التركي ليس مستعدّاً بعد للاندماج في السوق الأوروبية وشروط المنافسة فيها. والثاني داخلي، يجسّده العسكر والأحزاب العلمانية والقومية الذين سيحمّلون الحكومة والبرلمان والرئاسة مسؤولية كذب وعودهم الاجتماعية وخراب الهيكل التركي.
(الأخبار)