واشنطن ــ محمد سعيد
يثير اتفاق فرنسا والإمارات على إقامة الموقع الاستراتيجي الفرنسي الأول في الخليج عدداً من التساؤلات أبرزها: هل تمهّد باريس للمشاركة في شن حرب أميركية ـــــ إسرائيلية على طهران؟ أم أنها قد تكتفى بالمشاركة في فرض مزيد من العقوبات عليها، ولا سيما حظر نفطي لإجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإضعاف اقتصادها؟


يفترض أن تضمّ القاعدة الفرنسية الأولى قبالة مضيق «هرمز»، الذي يمر عبره نحو 40 بالمئة من النفط في العالم، قوات برية وبحرية وجوية يراوح عددها ما بين 400 و500 عسكري بعضهم سيقيم في القاعدة بصفة دائمة والبعض الآخر سيأتي من فرنسا وقواعدها في الخارج لتدريب القوات الإماراتية.
وبرر مدير المكتب العسكري للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الاميرال ادوار غيو، بناء القاعدة بأنه يهدف إلى «رفع مستوى الوجود الفرنسي العسكري في هذه المنطقة»، مشيراً إلى أن القاعدة الجديدة «ستكون جاهزة تماماً لجميع أنواع العمليات الحربية خلال عام 2009».
ويذكر أن فرنسا تحتفظ حالياً بسلسلة من القواعد العسكرية في القارة الأفريقية، حيث تحتل جيبوتي موقعاً استراتيجياً على شواطئ خليج عدن لضمان أمن الطرق البحرية التي تعتمدها غالبية النقليات النفطية الفرنسية، وينتشر فيها 2800 جندي فرنسي. وثمة قرابة 3800 عسكري فرنسي في قاعدتي مايوت ولاريونيون، يضاف إليهم 650 بحاراً منتشرين في المحيط الهندي.
ومنذ 2005، شهدت القوة الفرنسية في القارة الأفريقية اعادة تنظيم حول اربع قواعد تتلاءم والمنظمات الاقليمية الافريقية الأربع. فإضافة الى جيبوتي ولاريونيون، تبرز قاعدتا السنغال (1100 عسكري) والغابون (800 عسكري). كذلك تنشر فرنسا أكثر من 4100 عسكري في جزر الانتيل يشاركون بشكل اساسي في عمليات مكافحة تهريب المخدرات. ويتمركز 3400 من عسكرييها في غويانا، تكمن مهامهم في حماية المركز الفضائي ومكافحة الصيد غير المشروع والتنقيب السري عن الذهب. كذلك تستضيف كاليدونيا الجديدة 2800 وبولينيزيا 2400 عسكري فرنسي.
وتمثّل هذه القواعد نقطة ارتكاز للقوات الفرنسية العابرة، ومراكز على أهبة الاستعداد لقيادة عمليات، ووسيلة لتدريب الجنود المحليين. لكنها أيضاً تحمل رسالة التنمية الإقليمية لقدرات حفظ السلام في أفريقيا.
ويرى محللون سياسيون أن الهدف من الوجود الفرنسي العسكري الدائم في الخليج يكشف عن وجود مخطط أميركي ـــــ فرنسي يستهدف فرض حصار على إيران بالقواعد من كل جانب. ورأى آخرون أن الوجود العسكري الفرنسي الجديد يستهدف فقط إدخال الفزع والرعب في قلوب الإيرانيين للخضوع للمطالب الغربية، وخصوصاً أن «إيران ليست العراق، فهي دولة قوية تمتلك قدرات عسكرية لا يمكن إغفالها، مع الاعتراف بأن العقوبات الاقتصادية ستكون ذات تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني لو تضمنت فرض حصار على تصدير النفط».
وشدّد مساعد مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (ايريس)، ديدييه بيليون، على أن القاعدة الفرنسية تعد بمثابة «رسالة واضحة إلى طهران مفادها أن باريس لن تقبل على الإطلاق أي تهديد لتدفق صادرات النفط من الخليج إلى العالم الخارجي، وخصوصاً بعدما وصلت أسعار النفط إلى أرقام قياسية». وقال: «لن أصل إلى الكلام عن ثورة جيو ـــــ استراتيجية، لكن هذه المرحلة تكرس رسمياً عملية تقارب بدأت منذ اعوام مع دول الخليج، ولا سيما الامارات». وأشار إلى وجود رؤيتين تتعايشان معاً، تقضي الأولى «بدعم القوات الاميركية المنتشرة في المنطقة منذ فترة طويلة وسيراها البعض دليلاً على انخراط ساركوزي في خط واشنطن. اما الرؤية الثانية فهي لدول المنطقة الحليفة المميزة للولايات المتحدة، التي ترغب في تجنب وضع كل البيض في سلة واحدة». وأضاف «نظراً للموقع الجغرافي والأجواء السياسية تجاه ايران، تبدو هذه القاعدة تعزيزاً مهما لقدرة القوات الفرنسية على التحرك في المنطقة».
وقالت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إن قرار إقامة القاعدة «يكتسب بعداً سياسياً مهمّاً، وخصوصاً في ظل المواجهة الدبلوماسية الحالية مع طهران في شأن برنامجها النووي، ومن الناحية الاستراتيجية ففي حال نشوب أي صراع في المنطقة فإن فرنسا ستجد نفسها تلقائياً في أرض المعركة». وأشارت إلى أن إقامة هذه القاعدة «جاءت بناء على طلب الجانب الاماراتي وليس العكس، وفي إطار مساعي دول الخليج إلى تنويع الشراكات في ما يتعلق بشراء السلاح أو إبرام اتفاقات التعاون العسكري وعدم قصر ذلك على الولايات المتحدة الأميركية».
وكان موران قد ذكر مطلع أيلول الماضي في الدوحة أن فرنسا ستدرب ابتداءً من عام 2011 ضباطاً في سلاح البر القطري وغيرهم من دول الخليج، حيث تفتتح في قطر أول فرع في الخارج من مدرستها العسكرية المرموقة سان سير. وقد فسر هذا الاعلان على أنه اشارة اضافية الى تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة. كذلك يفترض اجراء مناورات كبرى سميت «درع الخليج» في شباط وآذار المقبلين في الإمارات بمشاركة نحو 1400 عسكري إماراتي وقطري و600 فرنسي.
ورأت صحيفة «واشنطن بوست» أن الإعلان عن إقامة القاعدة الفرنسية في أبو ظبي يشير إلى «تحول في الحقائق السياسية والحساسيات في المنطقة منذ أن شهدت أول حرب قادتها الولايات المتحدة على العراق في مطلع عام 1991، عندما طالبت معظم دول الخليج العربية الإبقاء على سرية اتفاقياتها مع الولايات المتحدة بمنحها قواعد عسكرية واستخدام تلك القواعد على أراضيها».
ويسود الاعتقاد أن المحافظين الجدد في أميركا يأملون تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران بمساعدة الرئيس الفرنسي إلى حد فرض عقوبات على الدول التي تستورد النفط الإيراني في مراحل لاحقة، حتى تضطر طهران لبيع بترولها في السوق السوداء بـ 3 أو 5 دولارات، مثلما فعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وتكشف مواقف ساركوزي بجلاء عن أن فرنسا تحت حكمه ترى أن إيران تمثّل الخطر الأكبر على منطقة الخليج الغنية بالثروات البترولية وعلى مصالح الدول الغربية في المنطقة وعلى أمن إسرائيل، والذي وصفه (ساركوزي) أكثر من مرة بأنه «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه.