طوني صغبيني
لم يدع المسؤولون الصينيون والهنود حديثاً إعلامياً يمرّ خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ إلى بكين، الأسبوع الجاري، من دون الإشارة إلى «الشراكة الاستراتيجية» المأمول تحقيقها بين العملاقين الآسيويين، معبّرَين عن قناعة ترسخت لدى النخب الحاكمة في البلدين بانفتاح كل منهما على الآخر، وبناء علاقة تفتح آفاق تغيرات كبرى في النظام الدولي.
وإذا كان تعبير «الشراكة الاستراتيجية» هو الجملة المفضّلة لوزارة الخارجية الصينية في وصف علاقاتها مع عدد كبير من بلدان العالم، منها منافساها الاقتصاديان الأساسيان اليابان والولايات المتحدة، إلا أن استعماله مع الهند له «نكهته» الخاصة.
فتطور العلاقات الصينية ـــ الهندية له تداعيات تختلف كثيراً عن تطوّر علاقات البلدين مع أي دولة ثالثة. ولا ينبع ذلك فقط من الثقل الكبير الذي تملكه الدولتان من الناحية السكانية والاقتصادية والعسكرية، بل من الواقع الجيوسياسي في آسيا، الذي يفتح المجال لإقامة أكبر تكتل إقليمي يشهده التاريخ: موسكو ـــ بكين ـــ نيودلهي.
العلاقات بين العواصم الثلاث كانت تتقدم باضطراد خلال السنوات السابقة في جميع الاتجاهات: فإضافة إلى وصول العلاقات الصينية ـــ الهندية إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ الدولتين، استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي زار الهند 4 مرات، تحقيق نقلة نوعية في العلاقة مع نيودلهي، وتوقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية المشتركة.
والمشهد نفسه يتكرر على جبهة موسكو ـــ بكين، اللتين ضاعفتا التبادل التجاري والعسكري بينهما، ورفعتا مستوى التنسيق السياسي بشأن عدد من القضايا الدولية، كالملفين الإيراني والبورمي.
كذلك فإن منظمة شانغهاي للتعاون تحوّلت إلى «قمة دائمة» بين الدول الثلاث، وهي تخطو بثبات نحو التحوّل إلى كيان إقليمي حقيقي ذي استراتيجية سياسية وعسكرية مشتركة، دفع وزارة الدفاع البريطانية، في تقرير لها في أيلول الماضي، إلى توقّع تحولها إلى «أطلسي الشرق».
وتضم المنظمة حالياً، بالإضافة إلى الصين وروسيا، بعض جمهوريات آسيا الوسطى، وحصلت الهند على وضعية «عضو مراقب» فيها منذ عام 2005، وشاركت في كل قممها منذ ذلك التاريخ، وخصوصاً القمة الأخيرة في قرغيزستان، التي شهدت أكبر مناورة عسكرية مشتركة، وبياناً ختامياً تميّز بصبغة سياسية طموحة.
ويرى العديد من المراقبين أن التحدي الأساسي بين العمالقة الثلاثة يكمن في كيفية مواءمة طموحاتها الإقليمية المتنافرة في أحيان كثيرة، لبناء علاقة شراكة إقليمية حقيقية. وهناك أرضية خصبة لتطوير شراكة كهذه، يحركها من ناحية الاعتماد الاقتصادي المتزايد، بعضها على بعض، وتطلعاتها كدول نامية تشترك في نظرتها نحو عدد من القضايا الاقتصادية، كالعولمة ومنظمة التجارة العالمية وارتفاع أسعار المواد الأولية. كما تحرّكها هواجس إقليمية مشتركة تتمثل أساساً في التهديدات الانفصالية الناشطة في أنحاء متعددة من الهند، وفي هضبة التيبت ومقاطعة كسينجيانغ الصينية، وفي جمهوريات آسيا الوسطى والجنوب الروسي. وقد أعلن المشاركون في قمة بيشكاك صراحة أن المناورات العسكرية موجهة ضد «المتطرفين والانفصاليين»، الذين يهددون استقرار دول شانغهاي.
يضاف إلى ذلك اشتراك نيودلهي وبكين وموسكو في التبرّم من الأحادية الأميركية، والدعوة المتكررة إلى «عالم تعددي» ترى الدول الآسيوية نفسها فيه صاحبة الوزن الأكبر. ورغم التقدم الظاهر في علاقات واشنطن مع الدول الثلاث، منذ الحملة الأميركية على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، يرى محللون أن ذلك قد ينقلب سلباً على البيت الأبيض. فاليابان «تدير وجهها إلى آسيا»، وتورّط واشنطن في باكستان يقصرّ المسافة أكثر فأكثر بين الهند والصين.
إن نتائج التقارب الهندي ـــ الروسي ـــ الصيني لا تقتصر فقط على آسيا، بل تطال، بحسب تقرير لمجلس الاستخبارات الوطنية (الذي يضم كل وكالات الأمن الأميركية) عام 2005، النظام العالمي بكامله. فمن المؤكد أن العولمة ستنزع عن نفسها «الرداء الغربي» في العقدين المقبلين تحت وطأة النمو الصيني والهندي اللذين سيمثّلان في ذاك الوقت أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي. لكن الخوف الحقيقي، بحسب التقرير، يتمثل بتحويل هذا الثقل إلى دور سياسي مركزي في النظام العالمي: القرن التاسع عشر كان أوروبياً، القرن العشرون كان أميركياً، فهل يكون القرن الحادي والعشرون آسيوياً؟