strong>شهيرة سلّوم
«لقد قتلوها لأنها من السند، مثلما فعلوا بوالدها من قبل، وليس لأنها تحارب الأصولية وتكافح من أجل الديموقراطية». هكذا وصف السنديون مقتل زعيمتهم بنازير بوتو، والذي أعاد إلى الواجهة صراع الأقليات في الدولة التي يسيطر عليها البنجابيون، إلى حد أنهم صرخوا خلال التشييع «لا نريد باكستان بعد الآن، ارحلوا عن السند، واحتفظوا بجنرالاتكم»، مهدّدين باللحاق ببلوشستان والمنطقة الشمالية الغربية التي تؤلف مناطق الاضطراب.
وشكوى السند من البنجاب لا تعود فقط إلى حادث الاغتيال الأخير لبوتو، فهي موغلة في تاريخ قيام باكستان، التي تتكون من أربع مقاطعات (البنجاب، والسند، وبلوشستان، والمقاطعة الشمالية الغربية)، تمثّل كل منها حاضنة لإحدى الإثنيات الباكستانية.
ورغم أن كل إثنية تؤلف غالبية في مقاطعتها، إلا أن ذلك لا يعني أنها تتقوقع فيها؛ فمثلاً يؤلّف السنديون في مقاطعتهم 60 في المئة، فيما يتكوّن الباقي من البلوش والبشتون والبنجاب. كذلك تعدّ المقاطعة مقراً للهندوس الذين هاجروا بغالبيتهم إلى الهند بعد الانقسام عام 1947، فما لبثت أن تدفقت حركات النزوح باتجاه السند من المقاطعات المجاورة، وهو ما أثار استياء أهلها، إضافة إلى أمور أخرى، منها السيطرة على الموارد الطبيعية من الغاز والبنزين والفحم من جانب البنجاب، والتمييز الذي يعانونه لجهة المناصب العسكرية والحكومية، والدخول إلى المعاهد التعليمية، ونصيبهم من العائدات الإجمالية.
لقد وضعت سلطة الاستعمار البريطاني الحدود بين باكستان والهند، يوم قرّرت التقسيم عام 1947 حيث ظهرت كل منهما دولةً مستقلة. تكونت حينها باكستان من جزءين، شرق باكستان (بنغلاديش اليوم) وغرب باكستان التي انفصلت عن الهند. وفيما مثّلت الأخيرة موطن الهندوس، كانت باكستان موطن المسلمين، فلحقت كل إثنية بأتباعها في المنطقة التي وجدت فيها نفسها أقلية، فمع الانفصال لجأ الملايين من الهندوس والسيخ إلى الهند، فيما وجد المسلمون في باكستان ملجأ لهم. لم يأخذ هذا التقسيم في الحسبان وحدة الأقاليم والإثنيات، فمقاطعة البنغال انقسمت بين واحدة هندية وأخرى باكستانية، وإقليم البنجاب انضم جزء منه إلى الهند وآخر إلى شرق باكستان.
ومع إعلان استقلالها، تكونت باكستان من بلوشستان، وشرق البنغال، والمقاطعة الشمالية الغربية، وغرب البنجاب والسند. لكن بقي إقليما جامو وكشمير اللذان يربطان الهند بباكستان مصدر نزاع بين الدولتين إلى اليوم. أما انقسام بنغلاديش عن باكستان فوقع في عام 1971، بعد حرب التحرير.

مقاطعات مضطربة

تعاني البلاد اضطرابات متعددة الاتجاهات، الأول نزاع مع جارتها الهند حول إقليمي جامو وكشمير، لتعصف بها في ما بعد حرب أهلية عام 1971 أسفرت عن انفصال بنغلاديش، وتبعه تمرّد في بلوشستان بين عامي 1973 و1976. ومن أجل القضاء عليه، أرسل الجيش مئات الآلاف من عناصره. لكن ما لبث الهدوء أن عاد إلى المقاطعة بعد تعيين رحيم الدين خان حاكماً إدارياً وفرض القانون العسكري. إلا أن وصول برويز مشرف إلى الحكم دفع بعض الزعامات القبلية إلى إطلاق حركة تمرّد انفصالية، ووقعت اشتباكات بين الجيش الباكستاني وهذه الحركة. وفي آب 2006 ، قتلت القوات الباكستانية زعيم المتمرّدين البلوش، نواب أكبر بوغتي.
وفي المقاطعة الشمالية الغربية المحاذية لأفغانستان، وتحديداً في وادي سوات، أعلنت حركة نفاذ الشريعة المحمدية بزعامة رجل الدين فضل الله، الثورة على حكم مشرّف، والتي تهدف إلى محاربته حتى قلب حكمه وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. وأقامت في أكثر من 59 قرية «حكومات محلية» موازية ومحاكم إسلامية لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية. وفي 16 تشرين الثاني من العام الماضي، أعلن المتمرّدون سيطرتهم على منطقة ألبوري في شانغلا المجاورة بعدما فرّت الشرطة المحلية من دون مقاومة من مقرّها التي تسلّمته قوات المتمرّدين المكوّنة إضافة إلى السكان المحليين من متطوعين أوزبيك وطاجيك وشيشان.
ومن أجل درء المتمرّدين وإعادة النظام إلى المنطقة، أرسلت الحكومة الفدرالية قوات نظامية من الجيش الباكستاني استطاعت أن تستعيد بعض المواقع، مُجبرة المتمرّدين على الأفول إلى الجبال. إلا أن ذلك لم يمنعهم من توجيه ضربات وهجمات انتحارية ضدّ الجيش.
حالات التمرّد هذه تشير إلى أن الفدرالية المكوّنة من إثنيات مختلفة لم تنجح يوماً في حل أزمات باكستان المستفحلة عند أي هزّة سياسية تمر بها البلاد، وإبعاد شبح التقسيم والطموحات الانفصالية لإثنياتها. فلقد سبق أن ثار البنغاليون عام 1971 وأسسوا دولتهم القومية. ورغم أن كثيرين يرون أن البلاد بعيدة عن هذا الخطر، فإن ما أثاره السنديون على خلفية مقتل بوتو يشير إلى أن الإثنيات التي تؤلف الدولة الباكستانية لم تحسم خياراتها بعد في ما يتعلّق بالوطن القومي النهائي؛ فلقد أغضب اغتيالها الأقليات غير البنجابية التي تنتمي إليها. ولا تقتصر أزمة أساس البيت الباكستاني المخلخل على التنوع الإثني بل على خلفيات دينية والهوية التعليمية والثقافية والاقتصادية للمجتمع الباكستاني.
فالاستياء من البنجاب، الذين يسيطرون على الجيش ومن ورائه على البلاد، يعتري الإثنيات الأخرى التي تشعر بأنها تشارك بطريقة غير عادلة في الموارد الطبيعية، فضلاً عن التوزيع غير المتساوي أيضاً بين المقاطعات التي تؤلف الفدرالية. هذا الاستياء هو امتداد للكراهية، التي انصبت بداية ضدّ الرئيس الباكستاني، قبل أن تتحول إلى العسكر ثم البنجاب الذين يسيطرون على السلك العسكري. استياء ستسهم الانتخابات المقبلة ونتائجها في امتصاصه أو تحويله إلى رغبة وجنوح نحو الانقسام.