حسام كنفاني
قبل أيام، بثّت وكالة «سما» الفلسطينية خبراً نسبته إلى مصادر مطلعة عن تهديد وجّهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بالاستقالة من منصبه ووقف المفاوضات مع إسرائيل احتجاجاً على تصعيد الاعتداءات على قطاع غزة.
الخبر وفحواه هما أقلّ ما يمكن أن يفعله الرئيس الفلسطيني لمواجهة ما يتعرّض له أبناء شعبه، وخصوصاً أنه يدرك ما له من دلال على الإدارة الأميركية التي تراهن عليه لتحقيق «رؤية» الرئيس جورج بوش، بسلبياتها وإيجابياتها، وإفساح المجال لهذه الإدارة لتسجيل إنجاز قبل مغادرتها البيت الأبيض، بما أنها ترى أنّ لديه التزاماً بالعملية السلمية بغض النظر عن الاستيطان أو العدوان أو أي شروط قد تُفرض على سلطته.
وإضافة إلى الأسباب السالفة، يدرك الرئيس الفلسطيني حرص الإدارة الأميركية على وجوده في السلطة لغياب بديل واضح حالياً لتسلّم زمام الأمور والإيفاء بالالتزامات التي قطعها عباس على نفسه. كما أن رحيله قد يفسح المجال أمام «قوى متطرفة»، والمعنية هنا حركة «حماس»، لتسلّم زمام الأمور وتكرار سيناريو قطاع غزة في الضفة الغربية، وبالتالي سقوط «أحلام السلام» والصحو على «كابوس المقاومة» منتشرة في أرجاء الضفة.
قراءة هذه المعطيات تعطي التهديد بالاستقالة بعداً بطولياً وموقفاً كفيلاً بدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة حسابات دعم وتشريع المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وإشعارها حقاً بأن هذه المجازر تؤثّر بشكل فعلي على فرص السلام، لربما تضغط جديّاً على الدولة العبرية لكبح جماع عدوانها.
هذا الموقف كان سيعطي الرئيس الفلسطيني شرف الوقوف بشكل فاعل سياسياً في وجه حمام الدم في غزة. غير أنه أبّى لنفسه هذا الشرف ونفى بشدّة التهديد بالاستقالة، مؤكداً أن «لا علم له بها». يبدو أنه لا يرى أي معطيات تستأهل تركه رئاسة اللا دولة الفلسطينية، فالأمور، بحسب رؤاه، في أحسن أحوالها ودولته الموعودة باتت على مرمى «نهاية العام».
هو يصدّق الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي «شرّفه» بزيارة المقاطعة، التي دمّرها بوش نفسه إبان حكم الزعيم الراحل ياسر عرفات. ويبدو أن عباس يكتفي حالياً بـ«شرف زيارة بوش»، وهو بالتالي لن يخذل «جهوده ورؤاه» حتى لو أن تحقيقها يتطلب سفك هذا الكمّ من الدماء في غزة وبعض نواحي الضفة الغربية، بما أن النهاية ستكون تتويجاً لأبو مازن على عرش الدولة.
وبناءً عليه، لا بد من الاعتذار لعباس عن «سوء الظن» الذي اعترى الذين صدّقوا «بطولة» تهديده بالاستقالة، فهو كان وسيبقى «بطل السلام الأميركي» فقط.