غزة ــ رائد لافيرام الله ــ أحمد شاكر

4 شهداء وانقطاع الكهرباء يهدّد 1700 مريض وسكان القطاع يفتقدون الخبز


قضت غزّة ليلتها الأولى في ظلام دامس، وبدت وكأنها تموت ببطء، حيث توشك الحياة على التوقف تماماً، بعد نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، من دون أن يمنع ذلك دولة الاحتلال من مواصلة حملات الاغتيال، التي استشهد فيها أمس ثلاثة فلسطينيين في غزة ورابع في الضفة الغربية.
وبدت مظاهر الحياة المدنية في غزة كأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعدما أصاب الشلل المنشآت الصناعية، وكثيراً من المحال التجارية، وحركة المواصلات، بينما أعلنت المستشفيات والمراكز الصحية حال الطوارئ القصوى في ظل مؤشرات نفاد مخزون وقود المولدات خلال ساعات.
ولم تفارق الدموع عيون أم محمد، التي ترافق ابنها البكر محمد (10 شهور) في قسم العناية المركزة للمواليد في مستشفى النصر للأطفال في مدينة غزة، منذ تسللت أنباء إلى مسامعها عن توقف الأجهزة الطبية التي تعمل بالكهرباء عن العمل خلال ساعات.
وتدرك أم محمد أن توقف جهاز التنفس الاصطناعي عن طفلها محمد للحظات يعني فقدانه الحياة قبل أن يبصرها. وقالت «لا أفهم سياسة ولا أتحدث بها، وما يعنيني هو حياة ابني الوحيد، ومنع تحوله إلى رقم على قائمة ضحايا الحصار».
وفشلت أسرة الطفل محمد مرات عديدة في السفر به لتلقي العلاج في الخارج، بفعل الحصار الخانق وإغلاق المعابر المضروب على قطاع غزة منذ سبعة شهور.
وارتفع عدد ضحايا الحصار من المرضى إلى 74 مريضاً، أمس، بوفاة المريضة حمدة النجار (50 عاماً)، بسبب منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لها من مغادرة القطاع لتلقّي العلاج اللازم في الخارج.
وقالت مصادر طبية في مستشفى النصر للأطفال إن المولدات ستتوقف عن العمل خلال ساعات قليلة، ما يجعل حياة مئات الأطفال في أقسام العناية المركزة في خطر شديد.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة للحكومة المقالة حال الطوارئ في جميع مستشفيات القطاع، واقتصار العمل على الحالات الضرورية والقصوى. وقالت الوزارة، على لسان المدير العام للإسعاف والطوارئ الطبيب معاوية حسنين، إن «هناك مؤشرات خطيرة بسبب ارتفاع عدد الوفيات للحالات العادية والمرضى المزمنين في المستشفيات والمنازل جراء نقص كميات الدواء والعلاج الأساسي». وأشار إلى ارتفاع حالات الوفيات من 8 إلى 10 حالات يومياً من المرضى من جميع الأقسام في المستشفيات من نزف الدماغ ومرضى القلب والهبوط بالتنفس وكذلك مرضى الكلي. وأكد بيان لوزارة الصحة أن «أكثر من 1700 مريض ينتظرون الموت خلال ساعات في مستشفيات غزة».
وقالت ميشيل مرسييه، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن مستشفيات غزة «لا يزال فيها مخزون من الوقود، لكنه لن يستمر لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام. إذا لم يتوفر المزيد من المخزون يمكن أن تتخيلوا ما يعني ذلك بالنسبة إلى علاج المصابين. وستتأثر الرعاية الطبية اليومية».
وأضافت ميرسييه أن «احتياطي الأدوية في المستشفيات واصل تراجعه. وبعضها ناقص». وقالت «لم يعد يخرج أو يدخل شيء، وسيسبب لنا ذلك مشكلة كبرى إذا لم تدخل شاحنتنا التي يفترض أن تتوجه إلى غزة الثلاثاء (اليوم) محملة بالأدوية».
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) إنه سيتحتم عليها وقف توزيع إمدادات الأغذية على 860 ألف فلسطيني في قطاع غزة بحلول غد الأربعاء على أقرب تقدير إذا لم تخفف إسرائيل إغلاقها للمعابر الحدودية مع قطاع غزة.
وقال المتحدث باسم «أونروا»، كريستوفر جانيس، «بسبب نقص النيلون اللازم للحقائب البلاستيكية والوقود اللازم للسيارات ومولدات الكهرباء سيتحتم علينا وقف برنامج توزيع الأغذية».
وقال الاتحاد الأوروبي، الذي يمول إمدادات الوقود لمحطة الكهرباء الرئيسية في غزة، إنه يتفهم حاجة إسرائيل للدفاع عن نفسها من الهجمات الصاروخية عبر الحدود، لكنه وصف القيود المفروضة بأنها «عقاب جماعي»، مضيفاً أنها يجب أن ترفع. وبثت الأزمة الرعب في نفوس سكان غزة، الذين اصطفوا في طوابير طويلة منذ ساعات الصباح الباكر أمام المخابز للحصول على كمية من الخبز، فيما أغلقت كثير من المخابز أبوابها في وجه المستهلكين، بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
وقال مواطن لـ«الأخبار» إنه قضى نحو أربع ساعات في طابور طويل أمام أحد المخابز، غير أن محاولته للحصول على كمية من الخبز يعود بها إلى أسرته المكونة من سبعة أفراد باءت بالفشل. وبدا واضحاً أن نفاد الوقود وخشية السكان من طول مدة الأزمة، أثرا على قطاع النقل والمواصلات والسيارات الخصوصية أيضاً. وأشارت تقديرات إلى أن نحو 70 في المئة من المركبات في القطاع البالغ عددها أكثر من 60 ألفاً اختفت من شوارع المدن الرئيسة، بينما ستلحق بها باقي السيارات خلال ساعات.
وواجه كثير من الفلسطينيين، وخصوصاً الموظفين والعاملين داخل المدن الرئيسية وخارجها مشكلات كبيرة في العثور على سيارات أجرة للوصول إلى أماكن عملهم التي تتركز أساساً في مدينة غزة. وقال موظف لـ«الأخبار» إنه اضطر للقدوم من مدينة رفح (40 كيلومتراً جنوب القطاع) الى مدينة غزة حيث مقر عمله، بواسطة سيارة أجرة مع 13 راكباً آخر، علماً بأن السيارة لا تتسع سوى لسبعة ركاب. وأشار إلى أن السائق لجأ إلى الحمولة الزائدة بعدما اعترض بعض الركاب، عندما طلب أجرة نقل الراكب الواحد إلى مدينة غزة 25 شيكلاً (الدولار يعادل 3.8 شواكل)، في حين أن الأجرة الاعتيادية هي ثمانية شواكل فقط.
وواجه سكان غزة صعوبة كبيرة في الاتصالات عبر الهواتف النقالة، لكون محطات تقوية الإرسال تعمل بواسطة الكهرباء، بينما شوهد السكان، وخصوصاً أولئك الذين يقطنون في بنايات سكنية مشتركة ومتعددة الطوابق، ينقلون الماء إلى منازلهم بواسطة «الجالونات» البلاستيكية، بعدما توقفت المضخات التي ترفع المياه إلى الخزانات.
وأعلنت بلديات عدة في القطاع توقف مضخات معالجة مياه الصرف الصحي، وتخليص المدن والمخيمات من المياه العادمة، ما ينذر بـ«كارثة صحية وبيئية».
وحذرت حركة «حماس»، على لسان المتحدّث باسمها اسماعيل رضوان، من «كارثة إنسانية». وناشدت الدول العربية والإسلامية إغاثة غزة قبل حدوث «انفجار كبير» في الأوضاع.
وحذر رضوان من أن «المقاومة ستتصاعد بشكل كبير يطال العدو، ولن نبقي شعبنا يموت»، متسائلاً «هل المطلوب من حماس والشعب الفلسطيني رفع الراية البيضاء إزاء القتل والحصار والتجويع؟»، فيما شدّد سامي أبو زهري على أن هذا الحصار سيفشل في كسر إرادتها وإرادة الشعب الفلسطيني، مجدداً رفض الحركة التنازل عن ثوابتها والاعتراف بدولة الاحتلال.
ورأى أبو زهري، أن ما يحصل هو حكم إعدام أصدرته دولة الاحتلال بحق القطاع. ودعا الرئيس محمود عباس إلى الشروع في الحوار الوطني الداخلي، ووقف المفاوضات مع الاحتلال، معتبراً استمرارها في ظل الجرائم الإسرائيلية بمثابة مساهمة في هذه الجرائم.
وقال المتحدث باسم حركة «فتح»، فهمي الزعارير، «إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي متجردة من القيم الإنسانية منذ عهد طويل، وهي تمارس شتى أنواع العقوبات بحق الشعب الفلسطيني، وغير مكترثة باللوائح والقوانين الدولية».
ودعا الزعارير «العالم إلى إلزام إسرائيل بوقف سياسات العدوان والمجازر والعقاب الجماعي الذي توقعه بحق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي».
ودعا القيادي في «فتح»، محمد دحلان، المجتمع الدولي واللجنة الرباعية الدولية والإدارة الأميركية ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية إلى ممارسة دورها الإنساني بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف العدوان المستمر على قطاع غزة ورفع الحصار عن القطاع. ودان «الصمت الدولي أمام المجازر التي ترتكبها قوات لاحتلال والحصار الذي تفرضه على قطاع غزة والتي تشكل خرقاً فاضحاً للمواثيق والأعراف الدولية».
ميدانياً، لم تترك قوات الاحتلال سكان غزة يخلدون إلى النوم بهدوء بسبب انقطاع التيار الكهرباء، وكسرت حدة الظلام بسلسلة غارات جوية شنها الطيران الحربي، ليل الأحد الاثنين، استشهد خلالها فلسطينيان، بينهما مقاوم من كتيبة المجاهدين المحسوبة من حركة «فتح»، قبل أن تتوغل فجراً في رفح وتعتقل نحو 40 فلسطينياً.
واستشهد الناشط في كتيبة المجاهدين ابراهيم الغوطي (25 عاماً)، بينما نجا القائد العام للكتيبة أسعد أبو شريعة بعد اصابته بجروح في الغارة، جراء صاروخ أطلقته طائرة استطلاع إسرائيلية في اتجاه مجموعة من المقاومين الفلسطينيين في حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة.
وفي وقت سابق، استشهد المواطن محمود الغندور (31 عاماً)، وأصيب ستة آخرون بجروح متفاوتة، في غارة جوية اسرائيلية استهدفت مجموعة من نشطاء «سرابا القدس» الذراع العسكرية لحركة الجهاد الاسلامي في منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة.
واستشهد الناشط في «كتيبة المجاهدين» إمام احمد (23 عاماً)، أمس، متأثراً بجروحه الخطرة التي أصيب بها قبل خمسة أيام في غارة اسرائيلية استهدفت سيارة مدنية في بلدة بيت حانون شمال القطاع.
في هذا الوقت، أعلن الجيش الاسرائيلي أن الفلسطينيين خفضوا الى حد كبير إطلاق الصواريخ على إسرائيل منذ الجمعة. وقال متحدث باسم الجيش إن سبعة صواريخ فقط أطلقت خلال الساعات الـ24 الماضية من دون أن تسفر عن إصابات.
وفي الضفة الغربية، شيع أهالي مدينة طولكرم الشهيد مراد إبراهيم الباشا، أحد قادة «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، الذي استشهد خلال اشتباك مسلح استمر لعدة ساعات مع جنود الاحتلال في محيط منزله.