ربى أبو عمو
لا يمكن تضييق أفق النظر إلى الانتخابات الرئاسية في صربيا، التي جرت جولتها الأولى الأحد الماضي، بالقول إنها مجرّد تنافس بين حزبين أو اسمين أساسيين (إضافة إلى سبعة آخرين)، هما توميسلاف نيكوليتش وبوريس تاديتش، بل هي ليست إلاّ جزءاً من الصراع المستجد والوجودي بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي حدّد هذين الشخصين الجزء الأكبر من برنامجهما السياسي انطلاقاً من التوجهات السياسية لبطلَي الحرب الباردة.
الأحد الماضي، تمكّن زعيم الحزب الراديكالي الصربي، نيكوليتش، من احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التي يمكن اعتبارها حاسمة في تحديدها لمستقبل صربيا، بحصوله على 39.4 في المئة من الأصوات، في مقابل 35.4 في المئة للرئيس المنتهية ولايته، تاديتش، بحسب تقديرات مركز الانتخابات الحرة والديموقراطية.
بذلك، استطاع نيكوليتش، القومي المتشدّد والروسي التوجّه، رسم ابتسامة على ثغر موسكو، من خلال اللعب على وتر رفضه القاطع لاستقلال كوسوفو، والذي تؤيده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تشككه في جدوى الانضمام إلى هذا الاتحاد في ظل استمرار عمليات «الابتزاز والإهانة» من جانب بروكسل في قضية الإقليم المذكور.
إلاّ أن تاديتش، وهو زعيم الحزب الديموقراطي، الرافض أيضاً لاستقلال كوسوفو، لا يرغب في عزل بلاده مجدداً عن النزعة الغربية، والانطواء على أمجاد روسية باتت قديمة، إذ يعلن تأييده المطلق للانضمام إلى الاتحاد، ما يدلّ على موقفٍ أكثر ليناً تجاه الإقليم، معتمداً في الوقت نفسه على دعم الإمبراطورية الأكبر في العالم.
وبعد خسارته في هذه الجولة، يحوّل تاديتش أنظاره إلى الجولة الثانية والحاسمة للانتخابات في الثالث من شباط المقبل، حاملاً في يديه ازدواجية تأييد كوسوفو والسير نحو الطريق الأوروبية، إضافة إلى الأمل الغربي بفوزه باعتباره قادراً على التصدّي للمد القومي في صربيا.
ورغم تمتّع الرئيس الصربي بصلاحيات محدودة نسبياً، إلاّ أنه يحدّّد في الوقت نفسه نهج البلاد بين تبنيها سياسة انفتاح على أوروبا أو «الغربنة»، والعودة إلى العزلة التي شهدتها في عهد سلوبودان ميلوسيفيتش.
وبين جولتي التصويت في صربيا، من المقرّر أن يحدّد الاتحاد الأوروبي موقفه من إعلان استقلال كوسوفو الوشيك. ولن يعلن الإقليم الاستقلال إلاّ بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، حتى لا يسبب ذلك إثارة غضب شعب صربيا وتحطيم فرص تاديتش بالفوز.
يمكن القول إن صربيا تعاني اليوم وجعاً في أسنانها نتيجة احتضانها مواقف ساخنة وباردة يمثّلها متنافسَيْها الأبرز. فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يراهنون على فوز تاديتش، الذي قد يوفّر مرور عملية إعلان الألبان استقلال إقليمهم بسلام، بعدما يحصل على الثمن، من خلال توفير حتمية انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ضمانها امتيازات صربية على الإقليم. إلاّ أن فوز نيكوليتش، قد يفتح الباب على مصراعيه أمام الصرب المتشددين، لتعطيل استقلال كوسوفو وزعزعة الاستقرار في منطقة البلقان، وربما في أوروبا بأكملها.