لم يتمكّن رئيس وزراء إيطاليا روماندو برودي، منذ توليه هذا المنصب في 17 حزيران من عام 2006، من صوغ صورة مستقرة لحكومته، وخصوصاً أنه يواجه اليوم، وللمرة الثانية بعد أزمة شباطية كادت تطيحه بعد تقديمه استقالته، اختباراً حقيقياً، وربما نهائياً، بالبقاء أو الاستقالة، سيحدّده التصويت على الثقة الذي دعا إليه في مجلسي النواب اليوم، والشيوخ الذي لم يقرّر بعد.وكانت الأزمة قد بدأت باستقالة وزير العدل كليمنتي ماستيلا، وهو أحد حلفاء برودي الرئيسيين، الأسبوع الماضي، في خطوة سببت خسارة رئيس الورزاء الغالبية في مجلس الشيوخ، مع الإبقاء عليها في مجلس النواب.
وأعلن ماستيلا، وهو رئيس الحزب الصغير «الاتحاد الديموقراطي من أجل أوروبا»، أمس أنه اتخذ قراره بمعارضة برودي في التصويت على الثقة، وخصوصاً أنه يدرك تماماً أن أصوات حزبه في مجلس الشيوخ ستكون حاسمة نوعاً ما، نظراً لامتلاكه ثلاثة أصوات في هذا المجلس. لذا فمن غير المرجّح أن تفوز الحكومة بالثقة في مجلس الشيوخ من دون دعم الأعضاء الدائمين في المجلس ذوي الميول اليسارية.
وعدم حصول برودي على الثقة في أي من المجلسين، سيفرض عليه الاستقالة، وبالتالي الدعوة إلى انتخابات مبكرة لتأليف حكومة جديدة، أو تأليف حكومة انتقالية لمراجعة قوانين الانتخابات المسؤولة على نطاق واسع عن عدم استقرار إيطاليا.
ويعود سبب استقالة وزير العدل السابق إلى ورود اسمه وزوجته في تحقيق بالفساد، رغم نفيهما ضلوعهما في قضية كهذه. ويرى بعض المراقبين أن قرار ماستيلا بالاستقالة يرتبط باحتمال تطبيق برودي لإصلاحات انتخابية، من خلال استفتاء عام في وقت لاحق من العام الجاري، يمكن أن يقضي على الأحزاب السياسية الصغيرة مثل حزبه، الذي فاز بنسبة لا تتعدى 1.4 في المئة من الأصوات في الانتخابات التي جرت عام 2006.
ولم يكن أمام برودي غير الاستقالة أو طرح قيادته لاقتراع على الثقة. وكان قد واجه أزمة مماثلة في شباط الماضي، بعد مرور 9 أشهر على توليه منصب رئاسة الوزراء، بسبب معارضة سياسته الخارجية التي تجلّت في تصويت بعض أعضاء التحالف اليساري التابع له، والمكوّن من تسعة أحزاب، في مجلس الشيوخ ضده. إلاّ أنه تمكّن من الحصول على فرصة ثانية من الرئيس الإيطالي جيورجيو نابوليتانو، وخصوصاً بسبب خوف معارضيه من عودة سيلفيو برلوسكوني المحافظ إلى السلطة.
وكان برودي في ذلك الوقت قد اتُهم بالتباطؤ في شأن إقرار توسيع قاعدة ايدرلي في فيسنزا بحلول عام 2010 لاستقدام مزيد من الجنود الأميركيين الذين يتمركزون حالياً في ألمانيا، ما كشف عن انقسام داخل ائتلافه الحاكم. وكان هذا الاتفاق قد عُقد بين الرئيس الأميركي جورج بوش وبيرلسوكوني. وطالب اليساريون الأصوليون برودي بالتراجع عن اتفاق بوش ـ بيرلسكوني، باعتبار أن توسيع القاعدة سيمثل صفعة قوية على وجه حركة السلام في إيطاليا.
وبالعودة إلى الوضع الراهن، يبدو من المؤكّد أن ماستيلا لن يتراجع عن مطالبته بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، وخصوصاً أنه قال «إن التجربة مع حكومة اليسار الوسط انتهت». هذا إلى جانب مطالبة زعماء المعارضة اليمينيين، إلى جانب اليساريين الأصوليين، برودي بالاستقالة.
الأكيد أن رئيس الوزراء الإيطالي لم يكن شخصاً مسلياً لإيطاليا، تطبيقاً لما قاله في إحدى المرّات بنفسه: «السيد برودي ممل أكثر بكثير من برلوسكوني. لا يسعني أن أؤملهم بأني سأكون مسلياً». لكن هل يتمكن برودي من إثبات جدارة حقيقية وليس أدبية، وتجاوز الأزمة الثانية. وهل سيتدخّل الرئيس الإيطالي لإنقاذه مجدداً؟
(الأخبار)