واشنطن محمد سعيد
انتقلت تداعيات أزمة الرهن العقاري التي ضربت الاقتصاد الأميركي إلى أروقة البورصات العالمية لتفتك باقتصاديات أوروبا وآسيا، بعدما ظهرت مضاعفاتها في الولايات المتحدة على شكل شبح من الكساد الوشيك يحذر من حتمية حدوثه العديد من الخبراء الاقتصاديين.
فقد هوت مؤشرات الأسهم في منطقة الخليج العربي أمس، في أكبر هبوط تشهده بورصات المنطقة منذ الانهيار الذي شهدته في أوائل عام 2006، فيما عبّر وزراء المالية الأوروبيون عن قلقهم مع تراجع أسواق الأسهم لليوم الثاني على التوالي مدفوعة بالمخاوف من حدوث ركود في ظل عدم وجود تأكيدات تذكّر بأن أوروبا ستخرج سالمة من عاصفة آتية من الولايات المتحدة.
وشدّد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على أنّ الهدوء والمزيد من الشفافيّة ضروريّان لمعالجة تداعيات الأزمة الماليّة الآتية من الطرف الآخر للمحيط الأطلسي. وقال، في معرض تعليقه على الهبوط الحاد في المؤشّرات الماليّة في بورصات آسيا والعالم، «سأتوجّه إلى لندن (في أواخر الشهر الجاري) للتباحث مع (رئيس الحكومة البريطاني) غوردن براون، و(المستشارة الألمانيّة) أنجيلا ميركل، في بعض الاقتراحات في شأن كيفيّة إضفاء المزيد من الشفافيّة والنظام على الرأسماليّة، لأنّ جزءاً كبيراً من الذي يحدث سببه (عامل) التوقّعات» أو المضاربة في أسواق المال.
في برلين، رأت ميركل أنّ لا خوف من أيّ كساد في القارّة العجوز، مشيرةً إلى أنّ حكومة بلادها (حيث الاقتصاد الأوروبي الأكبر)، تبذل كلّ ما في وسعها لتهدئة الأسواق، ومشدّدةً على أنّ «أوروبا هي مرساة الاستقرار في الاقتصاد الدولي».
غير أنّ موقف الاتحاد الأوروبي كان أكثر جذريّة، حيث حثّ المسؤولون الكبار في المفوّضيّة الأوروبيّة، الولايات المتّحدة على معالجة الأزمة الاقتصاديّة التي يمرّ بها اقتصادها، وتنعكس على العالم.
ووسط شكوك أوروبيّة في أنّ رزمة العلاج، التي اقترحتها إدارة الرئيس جورج بوش (وقالت أمس، إنّها قد تكون بقيمة أكبر من الـ150 مليار دولار المفترضة)، قال المفوّض الأوروبي للشؤون الماليّة والاقتصاديّة، خواكين ألمونيا، إن «العجز في الحسابات الجارية والعجز في الميزانيّة العامّة (في الولايات المتّحدة) هما في جذور هذا التأزّم»، مشيراً إلى أنّه «في ما يتعلّق بالإجراءات التي اعتمدتها السلطات الأميركيّة، فإنّ أيّ تدبير يُتّخذ يجب أن يركّز» العاملين المذكورين، أي خفض عجز الميزان التجاري الأميركي، والعجز العام.
ويبدو من كلام ألمونيا لوم أوروبي كبير موجّه إلى الولايات المتّحدة إثر الإعصار المالي الدولي؛ فالاقتصادي الأوروبي شدّد على أنّه «خلال العام الماضي، خلق الكثير من انعدام التوازن في الاقتصاد الأميركي، وهذه ليست الحال أبداً في اقتصاديّاتنا الأوروبيّة، فالأسس (التي تقوم عليها تلك الاقتصاديّات) سليمة وثابتة».
ورغم تلك الثقة بأسس اقتصاديّات أوروبا، إلّا أنّ الضغط المفروض على حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي يفرض عليها البدء ببذل جهد من أجل «عزل» اقتصاد القارّة العجوز عن أيّ اهتزازت جديدة.
وفي هذا السياق، قالت النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، بيرفانش بيرس، إنّ «منطقة اليورو مجهّزة بشكل جيّد (لمواجهة أيّ تأزّم) غير أنّ العملة الموحّدة ليست كافية لحماية أوروبا من تأثير أيّ كساد اقتصادي في الولايات المتّحدة، أو انهيار في السوق الماليّة». وأشارت إلى أنّ «المصرف المركزي الأوروبي أدى دوراً مهمّاً عندما بدأت أزمة القروض العقاريّة (الأميركيّة) الصيف الماضي، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن الاقتصاد الأوروبي أن يعتمد على سياسته النقديّة».