غزة ــ رائد لافي
رفح تحوّلت إلى «قِبلة» للفلسطينيين... وإسرائيل تحمّل مصر المسؤوليّة

في مشاهد «مأساوية» عكست عمق الأزمة الخانقة في قطاع غزة، اندفع مئات آلاف الفلسطينيين على شكل سيول بشرية، نحو الأراضي المصرية، بعدما فجّر مجهولون أجزاءً كبيرة من الجدار الخرساني على الحدود المصرية ـ الفلسطينية في مدينة رفح، جنوب القطاع.
وتحولت مدينة رفح الحدودية إلى «قِبلة» للفلسطينيين من أرجاء القطاع، الذين توجهوا للتزود بالمواد الأساسية والوقود والدواء، وكثير من الاحتياجات الحياتية، بعد نحو 7 أشهر من الحصار الخانق وإغلاق المعابر.
الأمم المتحدة قدّرت أعداد الذين قطعوا الحدود بنحو 350 ألف فلسطيني على الأقلّ، فيما لفتت مصادر فلسطينيّة إلى أنّ الرقم يناهز نصف مليون شخص.
عبور الحدود جاء بعدما فجّر مجهولون 200 متراً من الجدار، الذي شيّدته إسرائيل قبل أعوام من انسحابها أحادي الجانب من القطاع عام 2005، بواسطة عبوات ناسفة فجر يوم أمس، بعد ساعات قليلة من الصدامات العنيفة بين متظاهرين غالبيّتهم من النساء، حاولوا اقتحام المعبر، وقوّات الأمن المصرية، وعقب تهديدات متنامية في الآونة الأخيرة من فصائل المقاومة بفتح المعبر بالقوة إن لم تقدم مصر على فتحه طواعية لتخفيف وطأة الحصار الخانق عن الفلسطينيين.
وفي ظلّ صعوبة المواصلات بفعل أزمة الوقود، تمكّن كثير من الفلسطينيّين من الوصول إلى الحدود بواسطة الدراجات النارية، وسيارات نقل البضائع، بينما استخدم آخرون من المناطق القريبة عربات «الكارو» التي تجرها الحمير والخيول.
واختلفت أهداف الفلسطينيّين في اجتياز الحدود بين راغب في زيارة أقاربه في مدينة العريش (تبعد 50 كيلومتراً عن الحدود)، وآخرين دفعهم الخوف من ردّ الفعل الإسرائيلي على تفجير الحدود، فعمدوا إلى التزوّد بكميات كبيرة من المواد الأساسية.
وتمكن عشرات الفلسطينيين العالقين على الجانب المصري من معبر رفح من العودة إلى ذويهم في القطاع بعد أشهر طويلة، بينما سعى كثير من الطلبة العالقين في القطاع إلى الالتحاق بدراستهم في الخارج، في وقت كانت فيه غاية مئات المرضى في القطاع الوصول إلى المستشفيات المصرية بغرض العلاج.
وانشغل أحمد (33 عاماً) في نقل أكياس من الإسمنت على عربة «كارو»، في ظل أزمة حادة في مواد البناء، التي منعت سلطات الاحتلال دخولها للقطاع، عقب سيطرة حركة «حماس» عليه. وقال، لـ«الأخبار»: «لا نريد الإسمنت من أجل بناء ناطحات سحاب، نريده من أجل بناء قبور لموتانا»، مشيراً إلى أنّ سعر كيس الإسمنت الواحد في مصر يبلغ 27 جنيهاً (حوالى 5 دولارات)، بينما سعره في غزة، «إن حصلت عليه أصلاً»، يتجاوز 150 شيكلاً.
وفي أجزاء أخرى من صورة المشهد، ظهر شبان فلسطينيون يحملون «فرشات» من الإسفنج، اللازمة لغرف النوم، ربما لإتمام مراسم زفاف، بعدما اضطر كثير من الشبان إلى تأجيل زواجهم بسبب نفادها من الأسواق. وحمل آخرون «غالونات» بلاستيكية مملوءة بالوقود، في وقت قررت فيه سلطات الاحتلال وقف إمدادات الوقود اللازمة لمحطة توليد الكهرباء وحركة السيارات، في ردّ فعلها الأوّل على تفجير الحدود.
وحمّلت إسرائيل مصر مسؤولية ما حدث. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أرييه ميكيل، في بيان، إنّ الدولة العبرية تتوقع أن تحل مصر المشكلة الحاصلة عند الحدود بينها وبين القطاع. وأضاف إنّه لا توجد لإسرائيل «أي قوات في المنطقة الحدودية عند رفح، ولذلك فإن مصر تتحمّل مسؤولية أن يعمل معبر رفح بالشكل المناسب ووفقاً للاتفاقيات التي وقِّعَت، وبطبيعة الحال، فإننا قلقون من الوضع».
كما أعربت الولايات المتّحدة عن قلقها بشأن التطوّرات عند معبر رفح. وقال مساعد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، توم كايسي: «نحن قلقون من الوضع، وبصراحة أعرف أنّ المصريّين قلقون أيضاً»، مشيراً إلى أنّ مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة دايفيد ولش تحدّث مع السلطات المصريّة في هذا الموضوع، إلّا أنّه لم يذكر أيّ تفاصيل.
وفيما أكّد رئيس «حكومة الطوارئ» الفلسطينيّة سلام فياض، في ختام مباحثات في برلين، ضرورة أن تعيد إسرائيل فتح جميع نقاط العبور إلى قطاع غزة، وأنّ ما حدث عند معبر رفح «يشهد على الصعوبات التي يواجهونها (الغزاويّون)»، شدّدت الحكومة الفلسطينية المقالة برئاسة إسماعيل هنية، وحركة «حماس»، على أنّ حال الاحتقان الشديدة والحصار المطبق على القطاع، أخرجت الأمور عن السيطرة، وأدت إلى فتح الحدود في محاولة لإيجاد متنفس للجماهير.
وقال هنية، في كلمة تلفزيونيّة، إنّ ما يجري في القطاع، بما في ذلك تفجير الجدار الحدودي، «رسالة تفيد بأنّ الاحتقان بلغ مداه وأن الحصار لا يمكن أن يستمر، ومطلب الشعب الفلسطيني الوحيد ليس إدخال كميات قليلة من الوقود أو الغذاء في خطوة مجتزأة غير كافة وغير مقبولة، بل إنهاء الحصار كلياً وفتح المعابر، وخاصة معبر رفح».
ووصف الزعيم الحمساوي مصر بأنّها «بوّابة العمق الاستراتيجي» للقطاع، مشيداً بمواقف مصر حكومةً وشعباً وأحزاباً وعلماء تجاه الشعب الفلسطيني، ومشيراً إلى أنّ ما يحدث على الحدود «تعبير جماهيري عن السخط من الحصار وليست رسالة احتجاج ضدّ مصر أو قيادتها».
أمّا في موسكو، فقد أوضح وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، أنّ موسكو «تدين المحاولات الإسرائيلية الرامية لفرض حصار على غزة ومنع دخول الوقود الحيوي وإمدادات الغذاء إلى القطاع»، كما تدين «عمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل من المناطق الفلسطينية»، إلّا أنّه شدّد على «عدم جواز اتخاذ إجراءات مفرطة للرد على ذلك»، في إشارة إلى الردّ الإسرائيلي.



الرئيس المصري، حسني مبارك، أكّد أنّه طلب من قوّات الأمن المصريّة السماح للغزّاويّين بالدخول إلى مصر للتزوّد باحتياجاتهم من الغذاء «ما داموا لا يحملون أسلحة». وقال، للصحافيّين بعد افتتاحه معرض القاهرة الدولي للكتاب: «اليوم عاد عدد كبير من الفلسطينيّين من قطاع غزة لأنّهم يعانون الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي، وقامت القوات المصرية باصطحابهم لشراء الأغذية ثم عادوا إلى داخل قطاع غزة». وأضاف: «قلت لهم (لقوّات الأمن) اتركوهم يدخلون ليأكلوا وليشتروا الأغذية»