strong>ربى أبو عمو
يمكن وصف العلاقة التركية ــــ اليونانية بعلاقة زوجين غير متفاهمين على الكثير من القضايا، أُجبرا على العيش جنباً إلى جنب، تيمّناً بالتقاليد العائلية التي ترفض الطلاق. فكانت المسائل المالية أو الاقتصادية الأنجح في هذه العلاقة المشوبة بموجات أزماتية، ترتفع إلى حد الزلزال، وتنخفض أحياناً بحسب المؤثرات الاستراتيجية والأمنية والسياسية إلى حد الفتور.
والجديد في العلاقة الفاترة هذه، تمثّل في الزيارة التاريخية التي بدأها رئيس الوزراء اليوناني كوستاس كرامانليس إلى تركيا، أمس، لمدة ثلاثة أيام، وهي الأولى منذ نحو 50 عاماً. وكانت الأخيرة لرئيس الوزراء وعم كرامانليس، قنسطنطينوس في عام 1959.
بالطبع، لن تغيّر هذه الزيارة وجهة العلاقة بين البلدين نحو حل سحري للأزمات العالقة، لكن يمكن اعتبارها بمثابة «فأل خير». ويتجلّى ذلك في قول رئيس الوزراء اليوناني «إننا نبحث عن استعادة الثقة المتبادلة تدريجاً». إلاّ أن الباحث في مؤسسة «إيلياميب» اليونانية للسياسة الخارجية، ثانوس دوكوس، كان أقل تفاؤلاً، مكتفياً بالقول إنه «ليس هناك الكثير من التوقعات لهذه الزيارة»، وهي بمثابة رد يوناني على زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أثينا في أيار عام 2004.
مواضيع عديدة سيناقشها كرامانليس ووزير الخارجية التركي علي باباجان، أبرزها مسألة قبرص المنقسمة منذ عام 1974، وخصوصاً أن هذين الخصمين التقليديين قد اقتربا من الحرب ثلاث مرّات خلال السنوات الأخيرة.
فقبرص شهدت نزاعات عديدة بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، الأمر الذي أدّى إلى تدخّل قوات الأمم المتحدة وإنشاء منطقة أمنية عازلة في عام 1974، ليحتلّ الأتراك القسم الشمالي منها. وتستمر أزمة هذه الجزيرة المنقسمة حتى اليوم، رغم إجراء الكثير من المفاوضات بين الجانبين التركي واليوناني للتوصّل إلى حل. وتتمثّل المشكلة في الخلاف حول السيادة على قبرص، والناحية الأمنية المتعلقة باتفاقية الضمان لتقليل التدخل التركي، وحجم الأراضي التي يجب أن يتمتع به كلا الطرفين، إضافة إلى مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي ترفضه تركيا، وتعدّه بمثابة ورقة الضغط الأخيرة لإدارة علاقاتها «غير المستقرة وغير المضمونة» مع الاتحاد الأوروبي.
ولا تمثّل قضية قبرص سوى جزء من الخلافات التركية ـــ اليونانية، فيضاف إليها أزمة السيادة على بحر إيجه، ومشاكل الأقليات في كلا البلدين، إضافة إلى دعم اليونان لحزب العمال الكردستاني، والسماح لزعيم الحزب عبد الله أوجلان بالهبوط في قاعدة عسكرية يونانية، وتزويدها بالوقود في عام 1999.
فتحديد البحر الإقليمي اليوناني هو إحدى المشكلات الكبرى بين البلدين، لأنه يحدّد السيطرة الفعلية على هذا البحر. فبعد الحرب العالمية الثانية، جرى تعديل قانون البحار، ودخلت اليونان اتفاقية جنيف لقانون البحار في عام 1958، وبعدها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في عام 1981، ما أتاح لها مد بحرها الإقليمي 12 ميلاً بحرياً إذا دعت الحاجة. إلاّ أنها قوبلت بالرفض التركي لأسباب استراتيجية وأمنية وقانونية واقتصادية، لناحية توسيع السيطرة اليونانية على هذا البحر، وبالتالي تقليل قدرة الاستفادة التركية منه. يضاف إلى ذلك الخلاف على تسليح جزر شرق إيجه، في ظل أهميتها الاستراتيجية لناحية الملاحة الدولية ومبدأ توازن القوة، والخلاف على المجال الجوي وخطوط الطيران فوق هذا البحر.
يدرك الجانبان اليوناني والتركي قوة العلاقات الاقتصادية الجيدة بينهما، مع مضاعفة الصادرات التركية إلى اليونان بين عامي 2000 و2006، إذ بلغت 1.3 مليار يورو، إضافة إلى اعتبار اليونان أحد أكبر المستثمرين في تركيا، وخصوصاً في القطاع المصرفي. لذا يمكن أن تكون الزيارة التاريخية هذه فرصة لمحادثات حقيقية، ترسم أفق حلول بينهما، لكسر فتورٍ بات مملاً.