ربى أبو عمو
صفعة جديدة يستعدّ الدب الروسي لتوجيهها إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر صربيا، وتحت عنوان الطاقة، مع إعلانه أول من أمس أنه اشترى، عبر شركة «غاز بروم» العملاقة للطاقة، حصة بنسبة 51 في المئة من شركة «NIS» الصربية النفطية، الأمر الذي يعزّز وجوده في هذه الدولة، ويكرّس علاقاتهما التاريخية.
وعرضت «غاز بروم» دفع 600 مليون دولار في مقابل حصتها في «NIS»، مع وعود بتحويل صربيا إلى محور للطاقة، إضافة إلى استثمار 725 مليون دولار في تحديث البنى التحتية للطاقة الصربية.
ويفترض أن يتوّج هذا الإعلان مع زيارة الرئيس الصربي بوريس تاديتش ورئيس الحكومة فويسلاف كوستونيتشا إلى موسكو اليوم، وذلك من خلال التوقيع الرسمي على هذا الاتفاق.
هذه الصفقة يمكن وصفها بمثابة قذف رمال في عيون دول الاتحاد الأوروبي، الذي أحبطت بعض الشيء طموحاته في بناء خط أنابيب منافس، هو «نابوكو»، لجلب الغاز إلى أوروبا من إيران وأذربيجان من طريق تركيا وجنوب القوقاز، متجاوزاً روسيا. فالأوروبيون يرون في هذا المشروع فرصة حقيقية للتخفيف من اعتمادهم على روسيا للحصول على الغاز، إذ يعتمد الاتحاد على موسكو لتأمين ربع حاجاته من هذه المادة الحيوية، وخصوصاً أنها تملك نحو 30 في المئة من احتياطي الغاز، وتنتج 20 في المئة من الغاز العالمي.
ويكمن السؤال في قدرة مشروع «نابوكو» على ضمان ما يكفي من الإمدادات من بحر قزوين. ويرى بعض المحللين أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي جاداً في تنفيذ المشروع بهدف تجاوز روسيا فيجب عليه دعم المشروع مادياً.
ومنذ بضعة أيام، وقعت روسيا وبلغاريا، وبمشاركة شركة «Eni» الإيطالية، اتفاق «خط الغاز الجنوبي»، الذي يمرّ بموجبها جزء من خط الأنابيب الروسي لنقل الغاز الطبيعي من جنوب روسيا إلى جنوب أوروبا، عبر الأراضي البلغارية، لتضاف إلى اتفاقات مشابهة وقعها الدب الروسي مع إيطاليا وهنغاريا.
بالنسبة إلى الروس، فإن التوقيع على هذه الصفقات هو بمثابة انتصار، على الأقل مرحلياً، على دول الاتحاد الأوروبي. فإضافة إلى الأرباح الاقتصادية، يمكّن روسيا من تعزيز احتكارها للواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي. احتكار يمكنها من ترجمته ضغوطاً سياسية في ملفات عديدة، بينها وضع كوسوفو وامتداد حلف شمال الأطلسي إلى حودها الغربية وتخفيف الانتقاد والضغوط على نظام الرئيس فلاديمير بوتين. بل أكثر من ذلك، يعطيها أوراقاً إضافية في عناصر قوتها العالمية، ومساعيها إلى استعادة أمجاد إمبراطوريتها الغابرة، وخاصة في صراعها «الودود» مع الولايات المتحدة.
ولعل الملف الأكثر إلحاحاً في هذا الإطار هو ملف كوسوفو، الذي أعلن رئيس وزرائه هاشم تاجي، بعد لقائه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في بروكسل أمس، أن استقلال الإقليم بات «مسألة أيام». استقلال لن يكون ممكناً من دون دعم الأوروبيين الذين يدركون أن ليس لديهم سوى المكابرة على أنفسهم لإرضاء الروس، على الأقل إلى حين استطاعتهم تأمين مصدراً آخراً للطاقة. فهل يتمكّن الأوروبيون من الاستغناء عن روسيا، ليفلتوا من قبضتها على أعناقهم، التي تهددهم في خسارة قضية الإقليم وأوراق أخرى، أو تلجأ موسكو إلى «فركة أذن» جديدة من خلال تعليق صادرات الغاز إلى أوروبا، لتخرج منتصرة في الملفات المعلقة؟