أرنست خوري
حكومة أردوغان نحو تعديل المادة 301 من قانون العقوبات

احتار حكّام أنقرة حيال أفضل السبل في التصرّف إزاء الاتحاد الأوروبي الذي «يتوسّلون» نيل شرف عضويّته منذ عقود؛ يفعلون المستحيل في تقديم التنازلات المؤلمة من ناحية التعديلات الدستورية وإلغاء عدد كبير من القوانين الجزائيّة التركيّة التي تتناقض و«روح القوانين» و«الحضارة» الأوروبية الغربيّة، فتأتي أحكام القضاء قاسية لتذهب عكس الجهود التي بذلتها حكومة رجب طيّب أردوغان منذ عام 2002.
فمنذ أدرك أردوغان والرئيس عبد الله غول أنّ لا قدرة لهما على تغيير الموقف الفرنسي المتشدّد إزاء العضويّة التركية، عبر تصعيد المواقف السياسية المنتقدة لباريس، قرّرا العمل «على الأرض». عمل أخذ منذ فترة طويلة، منحى قانونياً، مكلف لا شكّ في الكباش الداخلي مع العلمانيّين والقوميّين، سواء كان في الملفّ الكردي، أو محاولة نزع الغبن اللاحق بالأقليات المذهبيّة (العلويّين نموذجاً فقط)، أو من جهة تعديل قوانين الصحافة و«حرية التعبير»، أو حتّى المسّ بالفقرات الدستوريّة التي تعطي مؤسّسات العسكر صلاحيّة الإشراف وتعطيل القرارات «الكبرى»، ولو كانت صادرة عن المؤسّسات الدستورية الرئاسيّة والتشريعيّة والتنفيذيّة.
ورغم كلّ ذلك، لا تنفكّ مؤسّسات الاتحاد عن مكافأة التضحيات التركية بالسلبيّة. سلبيّة آخر فصولها صدرت أوّل من أمس عن المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، لا شكّ أنها صدمت القيادة التركيّة، بما أنها رأت أنّ أنقرة كانت عام 2007 «أسوأ منتهك لحقوق الإنسان» (من بعدها روسيا ورومانيا وأوكرانيا) من بين الدول الأعضاء الممثّلة في المحكمة الأوروبية التي تأخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسيّة، مقرّاً لها.
وجاء الحكم استناداً إلى أنّ المحاكم التركيّة ارتكبت مخالفات في 319 قضيّة مرفوعة أمامها. وأشارت الدراسة، إلى أنّه خلال العام الماضي، أصدرت المحاكم التركية 1503 أحكام، ورفضت الحكم بـ27000 قضيّة، إضافةً إلى أنّ هناك نحو 80000 قضيّة تماطل المحاكم في بتّها، رغم أنّ البعض منها قدّم منذ عام 1990. أضف إلى ذلك، أنّ الموازنة المرصودة للمحاكم، بلغت العام الماضي، 72 مليون دولار، هي أقلّ بكثير من المبلغ المطلوب نسبة للدفق الحاصل في عدد الدعاوى القانونية.
وكأنّه كان على دراسة المحكمة الأوروبيّة أن تصيب المقتل في القانون التركي. فصوّبت انتقاداتها الرئيسية إلى المادّة 301 من قانون العقوبات، وهي المادّة التي تتضمّن أوصافاً مبهَمَة للقوميّة التركيّة، تعرّض عدداً كبيراً من الكتّاب والصحافيّين والمواطنين للعقاب بسبب انتقادها أو التقليل من قيمتها، وما حاملا جائزة نوبل هرانت دينك وأورهان باموك إلّا نموذجان عن ضحاياها. وهذه المادّة يرى الناشطون الحقوقيّون والمعارضون الأتراك، أنها «مهزلة» في النظام القانوني التركي. إذ هي، بحسب رأيهم، العائق الأكبر أمام حريّة الصحافة وحقّ التعبير، لكونها تضع معايير اعتباطيّة واستنسابيّة لتفسير عبارة «turkishness»، وهي يصعب تعريبها حرفيّاً لكونها تختلف عن عبارة «القوميّة التركيّة»، فتصبح كلمة «تتريك» الأقرب إلى المعنى، المقصود به الانتماء الصميمي إلى القومية التركية، أو «الشرف التركي».
وأمام الإحراج الذي سبّبته المحكمة الأوروبية، عبّأت تركيا قواها للردّ بإيجابيّة على التشاؤم الأوروبي؛ فغداة صدور التقرير، أطلقت الحكومة التركيّة حملة لتعديل المادّة 301، عبر ممثّلها في المحكمة الأوروبيّة، الأستاذة الجامعية إيسيل كاراكاس، ثمّ من خلال وزارة العدل.
ولا شكّ أنّ أنقرة كانت تفضّل لو صوّبت الدراسة الأوروبية على «ثغرة الحجاب» بدل المادّة 301، لكون الأجواء في البلاد باتت شبه جاهزة لتقبّل تعديل المادّة 10 من الدستور، التي كان تفسير المحاكم لها يمنع الطالبات من ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس والجامعات منذ 1980، وخاصة بعدما أعلن حزب العدالة والتنمية أمس قبوله باقتراح حزب الحركة القوميّة القاضي بحصر إلغاء حظر ارتداء الحجاب، بالطالبات دون الموظّفات في الإدارات الحكوميّة، ما يعني أنّ التعديل الدستوري بات تقريباً في حكم الناجز، بما أنّ عدد نوّاب الحزبين في البرلمان (340 للعدالة والتنمية و70 للحركة القومية) يؤمّن له الغالبية المطلوبة.
لكنّ تجدّد النقاش في المادّة 301، فرض على الحكومة وجوب اتّخاذ خطوات سريعة لتقليل الخسائر التي سبّبتها دراسة المحكمة الأوروبية بشأن حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد. فعلى الفور، قرّرت وزارة العدل إحالة مشروع تعديل فقرات من المادّة 301 على البرلمان. والتعديل سيصيب عبارات محدّدة من المادّة: استبدال كلمة «turkishness»، بـ«الأمّة التركيّة». واستبدال كلمة «الجمهوريّة» بـ«الجمهورية التركية». والأهمّ أنّ الوزارة تقترح تخفيف العقوبة التي كانت تفرضها «جريمة التهجّم» على هذه المفاهيم، من سجن لثلاث سنوات، إلى سنتين. كما أنّ الاقتراح المنوي تقديمه إلى مجلس النواب، ينصّ على إلزام الاستحصال على طلب إذن وزارة العدل، قبل البدء بالتحقيقات التي تطال المتّهمين بخرق هذه المادّة.