حسن شقراني
محمّد جيشم إبراهيم (15 عاماً)، اسم لم يسمع به أحد على الأرجح، على الأقلّ في منطقتنا، إلّا أنّه بطل في جنّة المحيط الهندي؛ ففي العاشر من الشهر الجاري، وبينما كان رئيس المالديف، مومون غيوم، يقوم بجولة في جزيرة هوارافوشي، هاجمه «الإسلامي»، محمّد مرشد (20 عاماً)، حاملاً سكيناً مخفية تحت علم بلاده.
فتى الكشّافة، جيشم، الذي كان يرافق الرئيس، تنبّه لنيات المهاجم واعترض طريقه. عمل بطولي كلّفه جرحاً بالغاً في يده وعراكاً سيطرت عليه صيحة «الله أكبر» أطلقها المتطرّف الذي قضى وقتاً طويلاً في الفترة الأخيرة يستمع إلى أسطوانات ذات محتوى إسلامي، حسبما شرحت والدته في ما بعد.
تبلور التطرّف الإسلامي، «الإرهاب»، في الجزر الـ1190 التي تحوي 350 ألف نسمة وتمثّل قبلة للسيّاح الآتين من عالم الرفاهيّة الاجتماعيّة إلى عالم الطبيعة الخلّابة والمنتجعات الفخمة، بدأ منذ فترة ليست ببعيدة. إلّا أنّه يضرب بقوّة الاستقرار في الأرخبيل؛ فقد شهدت الشهور الأخيرة مواجهات عنيفة بين عناصر الشرطة و«رجال مقنّعين متطرّفين» (بحسب السلطات الرسميّة). كما أدّى تفجير قنبلة في متنزه في جزيرة مال في أيلول الماضي إلى جرح أكثر من 12 سائحاً.
بعد هذه الحادثة، يمكن الإشارة إلى أقصى الحدود بما أدّاه محمّد جيشم إبراهيم من حفاظ على استقرار البلاد من خلال حماية رئيسها. ويمكن أيضاً إجراء مقاربة أوليّة لما وصل إليه العالم على صعيد تركيباته الطبقيّة ـ العقائديّة، وخصوصاً في ظلّ المنحى الذي يتخذه النظام الاقتصادي الكوني، بسبب الأزمة الماليّة الضخمة التي تعصف بالولايات المتحدة.
بينما كان «فتى الكشّافة» لا يزال يتعافى من جراحه ويتلقّى التهانئ العارمة والبركات، وقف رئيس شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس على منبر المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس أوّل من أمس، يروّج لـ«رأسماليّة خلّاقة» ترأب الصدع الذي أحدثته أزمة الرهونات العقاريّة الأميركيّة في بورصات العالم في بداية الأسبوع الجاري، التي يتوقّع أن تتطوّر مفاعيلها أكثر إذا لم تسيطر رزمة الإنقاذ التي قدّمتها الحكومة الأميركيّة على وقعها.
والمثير في طرح عبقري المعلومات الذي سيتحوّل إلى «محسن» في آخر العام الجاري بعد تخلّيه عن «واجباته» اليوميّة في «مايكروسوفت» (تُقدّر المساعدات التي قدّمتها جمعيّته حتى الآن بنحو 9.7 مليارات دولار للرعاية الصحيّة حول العالم) أنّه يطرح سؤالاً جوهرياً حول عالم اليوم: كيف يمكن جعل الرأسماليّة أكثر إنسانيّة؟ فسّروا لنا معنى الإبداع كي تصبح خلّاقة؟
إذا كانت إحدى أجمل جنان الأرض قد تحوّلت إلى معقل لما يُعتقد أنّه ردّ فعل إسلامي على همجيّة النظام الرأسمالي الدولي وحروبه اللامتناهية، فأين سيمضي من يتمتّع بخيرات تلك الرأسماليّة عطلاته؟ وهل يعود للإبداع في الرأسماليّة أيّ معنى؟
ليت دعوات الاعتدال ترتفع أكثر، وليت «الرأسماليّة الخلّاقة» تكون شعوراً إنسانياً.