مي الصايغ
تودّع جاكرتا اليوم ديكتاتورها وقائد تنميتها، الرئيس السابق محمد سوهارتو، الذي توفي أمس عن عمر يناهز 86 عاماً، بعد توقّف بعض أعضاء جسمه عن العمل، على أن يوارى جثمانه في الثرى في مدفن عائلة سوهارتو شمالي شرقي مدينة سولو في جاوة.
وحكم سوهارتو بيد من حديد على مدى 32 عاماً، احتلت فيها بلاده مركزاً متقدماً بين أكثر الدول فساداً في العالم، وذاع صيتها في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، وسقط ضحية نظامها مليون معارض سياسي.
وتقلّد سوهارتو السلطة بعدما تمكن من نزعها من الأب المؤسّس لإندونيسيا، سوكارنو. وقاد الجيش في 30 أيلول عام 1965 للقضاء على «محاولة انقلاب شيوعية». وأعقب ذلك عملية تطهير مناهضة للشيوعيين، لقي فيها ما يصل إلى 500 ألف شخص حتفهم.
واستخدم الديكتاتور الراحل ورقتي «تهديد»: الشيوعيين والأصوليّة الإسلامية لتأمين دعم المجموعة الدولية له، ولا سيما الولايات المتحدة، التي أعطته الضوء الأخضر لغزو تيمور الشرقية عام 1975.
في 21 أيار 1998، وعلى خلفية الأزمة المالية الآسيوية التي سببت فوضى اقتصادية، أطيح سوهارتو بعد أعمال شغب في جاكرتا. وتبخرت سنوات من التقدم الاقتصادي مع انهيار الروبية الإندونيسية وسقوط الملايين في براثن الفقر.
وجاء تدهور حالته الصحية ليبعد الكأس المرة عنه مع إسقاط الحكومة للدعوى المقدمة ضده، التي تطالب بإعادة 440 مليون دولار من أموال الدولة ومليار دولار كتعويض، بعد ادعاءات إساءة استخدام مال إحدى المؤسسات الخيرية المملوكة لأحد أبنائه.
وكان سوهارتو وعائلته والمرتبطون به قد تغلغلوا في كل قطاع تقريباً في اقتصاد إندونيسيا، وأصبحوا يملكون شركات طيران وفنادق ومحطات تحصيل الرسوم على الطرق ومحطات تلفزيونية وإذاعية وفتحوا الطريق أمام أي أجنبي يريد أن ينفذ مشاريع في البلاد.
وفي هذا السياق، كشفت منظمة الشفافية الدولية عن أنّ أصول سوهارتو تتباين قيمتها بين 15 و35 مليار دولار أو ما يصل إلى 1.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
غير أنّ الديكتاتور رفض الاتهامات بإخفاء ثروته في الخارج، حيث قال في حديث إلى صحيفة إندونيسية في أواخر عام 1998: «الحقيقة أنني لا أملك مدخرات في الخارج ولو سنتاً واحداً، وإن ذلك كلام فارغ».
وفيما كان يرقد على فراش المرض، كان الإندونيسيون في شتى أنحاء الأرخبيل يناقشون إرثه، وينظرون بحنين إلى الفترة التي كانت إندونيسيا أحد نمور الاقتصاد الآسيوية ويشيرون إليه «بأبي التنمية»، ويسألون عمّا إذا كان يجب أن تمضي الحكومة قدماً في الإجراءات القانونية ضده بتهمة الكسب غير المشروع.
وُلد سوهارتو في الثامن من حزيران عام 1921. وانضم إلى صفوف الجيش الهولندي وهو في الـ19 من عمره. وخلال الاحتلال الياباني بين عامي 1942 و1945 كان ضابطاً في «الجيش الإندونيسي» الذي يتلقى تدريباً يابانياً، وقاتل في ما بعد مع القوات الإندونيسية ضد الهولنديين.
هو أب لستة أولاد، بينهم تومي الذي حُكم عليه بتهمة تدبير اغتيال قاض في عام 2006 وأفرج عنه قبل قضاء فترة عقوبته. وعُرفت زوجته سيتي هارتيناح سوهارتو، التي توفيت عام 1996، بـ«السيّدة عشرة» على خلفية العمولات التي تقاضتها من صفقات تجارية.