حسام كنفاني
لم يكن المؤتمر الوطني الفلسطيني في دمشق الأسبوع الماضي مجرّد حفل معارض لسياسات الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية وبيانات أنابوليس؛ فقد حمل في طياته تحولات قد تكون دراماتيكية في مسار القضية الفلسطينية منذ تأسيس منظمة التحرير في عام 1964.
ويُحسب للمؤتمر قدرته على جمع الشتات الفلسطيني وإعادة الاعتبار لدوره وصوته في عملية تحديد النقطة الأبرز في القضية الفلسطينية، ألا وهي قضية اللاجئين، في ظل الحملة على إسقاط هذا الحقّ واستبداله بالتعويضات، بحسب بيان الرئيس الأميركي جورج بوش الشهير الذي أطلقه من القدس المحتلة مطلع الشهر الجاري.
وإذا كانت هذه النقطة، إضافة إلى التأكيد على بعض المسلمات الفلسطينية الأخرى، في صالح المؤتمر، إلا أن النقطة الخفية في ما حمله بيان المؤتمر قد تكون من أخطر الانشقاقات التي شهدتها المعارك السياسية الفلسطينية منذ انطلاق الثورة وتشعب فصائلها وتناحر أطرافها.
ورغم نفي غالبية المشاركين في المؤتمر لنية إنشاء منظمة تحرير بديلة، إلا أن تصريحات كثيرة، قد يكون أبرزها لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، إضافة إلى بعض ما ورد في البيان الختامي، تشير إلى ما يتطابق مع النفي ويتعارض معه في آن.
فمشعل، الذي نفى نية إنشاء منظمة تحرير رديفة، أقرّ بأن غاية المؤتمر «تعويض جزئي» للشلل الذي أصاب منظمة التحرير، ولا سيما في اعتبارها الممثل للفلسطينيين في الداخل والخارج، إذ اختُصرَت في السلطة الفلسطينية، التي رأى أنها «لا تمثّل سوى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة».
وفقرة البيان الختامي، التي شكلت لجنة متابعة للمؤتمر من الأمناء العامين للفصائل المشاركة وانبثاق أمانة سرّ منها لمراقبة تطبيق بيان المؤتمرين، تمثّل على الأقل إطاراً تنظيمياً جديداً لما كان يعرف باسم اجتماعات «الفصائل العشر» الموجودة في دمشق، وهي: «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية» و«الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» و«الجبهة الديموقراطية» و«الصاعقة» و«حركة فتح الانتفاضة» و«جبهة النضال الشعبي» و«الحزب الشيوعي الثوري» و«جبهة التحرير الفلسطينية». إلا أنه في ظل مقاطعة الجبهتين الشعبية والديموقراطية للمؤتمر، يبدو أن الإطار التنظيمي قد يقتصر على ثمانية فصائل أو تسعة إذا أضيف إليها «جيش التحرير الفلسطيني»، الذي كان أحد المشاركين.
والظهور الموحّد لعمل هذه المنظمات تجلّى أول من أمس بتكليف خالد مشعل نقل أفكار ومقترحات المؤتمر إلى القيادتين السعودية والمصرية، إضافة إلى الرئيس محمود عباس «وحملته وجهة نظرها في السبل والآليات المجدية للبدء بحوار وطني جاد وشامل على قاعدة وطنية واضحة لا لبس فيها»، بحسب بيان للجنة التي بدأت ممارسة «إطارها الموحّد».
وفي ظلّ إصرار بعض المشاركين، في أحاديث لـ«الأخبار»، على «تعفّن» و«تهلهل» و«فئوية» منظمة التحرير، فإن من غير المستبعد أن يعمل الإطار التنظيمي الجديد على تعبئة الفراغات الناشئة عن هذا «التعفن»، ولا سيما أن المنظمة انزوت فعلاً في ظلّ التنظيم الواحد، وغرقت في تفاصيل مفاوضات السلام.
ومن المرجح أن يعمل الإطار التنظيمي الجديد على هذه الفراغات للحصول على مشروعية شعبية من فلسطينيي الشتات، الذين كانوا محط اهتمام غالبية الفصائل المشاركة، التي ركزت على ضروة تفعيلهم «لإسماع العالم صوتاً فلسطينياً آخر غير صوت محمود عباس وسلام فيّاض».
قد يكون من حق بعض الفصائل البحث عن غطاء عمل أوسع في ظلّ إغلاق باب منظمة التحرير وتجاهل مقرّرات اجتماع القاهرة لعام 2005، إلا أن أي تشكيل رديف سيمثّل ضربة قاصمة لوحدانية التمثيل الفلسطيني، الذي بقي صامداً طوال أربعة عقود من الزمن رغم الخلافات العاصفة التي ضربت أركان منظمة التحرير، وهو ما حذّرت منه مصادر في الجبهتين الشعبية والديموقراطية، في حديث لـ«الأخبار»، مضيفة أن المؤتمر في هذا الإطار يعمّق الانقسام، على عكس شعار الوحدة الذي رفعه لجدول أعماله.
تعميق الانقسام بدا أيضاً من الاصطفاف الكامل وراء «شرعية حماس» وإعادة فتح ملفات خلاف بيان البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير أو ما سمي «بيان النقاط العشر» في عام 1974، ما يشير إلى أن المؤتمر، وإن طرح برنامجاً حوارياً مع المنظمة، فإنه يعرض نفسه ندّاً في السياسة والإيديولوجيا والشعبية.