معمر عطوي
كما كانت القضية الفلسطينية سبباً لقطع العلاقات بين مصر وإيران، أضحت هذه القضية سبباً للتقارب بين البلدين، ذلك أن «حرب الشوارع» لم تمنع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من الاتصال بنظيره المصري محمد حسني مبارك، لمناقشة الأوضاع المتفجرة في قطاع غزة

بدا واضحاً من خلال إعلان وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، أمس، عن نية طهران استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر، أن حرب الشوارع بين البلدين لم تكن عائقاً أمام هذه العودة المرتقبة للعلاقات الثنائية.
هذه الحرب، التي بدأت على خلفية إطلاق اسم قاتل الرئيس المصري أنور السادات، خالد الإسلامبولي، على أحد شوارع طهران، في مقابل إطلاق اسم الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي على أحد شوارع مصر، لم تحل دون استمرار مسؤولي البلدين في السعي لتجاوز المشاكل العالقة تمهيداً لعودة المياه إلى مجاريها؛ فقد أعلن ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، خلال زيارته للقاهرة في الأول من كانون الجاري، أن قضية اسم الشارع وجدارية الاسلامبولي هما تفاصيل، فيما توارد أن طهران وافقت على تغيير الاسم إلى «الانتفاضة» الفلسطينية.
وإن كانت محاولات ترميم العلاقات المقطوعة منذ عام 1980، قد بدأت مذ تسلّم الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي السلطة في عام 1997. إلا أن حكومة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد قد قطعت أشواطاً مهمة في هذه القضية.
لعل أبرز نتائج هذه المحاولات ما ظهر في الأيام الماضية حين بادر الرئيس الإيراني إلى الاتصال بنظيره المصري، لبحث أوضاع الفلسطينيين في غزة، والذي أعقبه إرسال ممثل إيراني خاص إلى مصر للبحث في إرسال مساعدة إنسانية إلى سكان القطاع بعد اقتحام مئات آلاف الغزاويين للحدود عند رفح.
والمفارقة أن القضية انتهت من حيث بدأت، إذ إن العلاقات بين طهران والقاهرة، قد توترت على خلفية اتفاقية كامب دايفد بين إسرائيل ومصر، التي اعترفت قبل غيرها من الدول العربية بالكيان العبري، متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني.
وثمة أسباب أخرى، كانت وراء هذا التوتر، مثل منح مصر شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي اللجوء السياسي واحتضان جثمانه في أراضيها بعد ذلك، ناهيك عن دعم القاهرة لبغداد في حربها الطويلة مع طهران (1980ـ 1988)، والتي زادت من حجم التوتر بين الجمهوريتين الفارسية
والعربية.
على ما يبدو، فإن الكرة أصبحت في الملعب المصري. هذا ما يمكن استشفافه من إعلان وزير الخارجية الإيراني الذي قال «أجرينا كل المناقشات عن استئناف العلاقات السياسية الرسمية مع مصر... ننتظر أن يعلن الأشقاء المصريون أنهم مستعدون» لاستئناف هذه العلاقات، التي تتم الآن من خلال تمثيل دبلوماسي عن طريق مكاتب ترعى المصالح.
لعل المحطة الأبرز التي شكلت مؤشراً إلى عودة الدفء إلى هذه العلاقات، كانت زيارة لاريجاني إلى مصر، والتي أعلن خلالها عن تقدم في المضمار، معلناً استعداد بلاده لمساعدة مصر نووياً، فيما كان الرئيس الإيراني قد أكّد مراراً أنه إذا وافقت القاهرة على تطبيع العلاقات الدبلوماسية «اليوم»، فإن إيران سترسل سفيرها إلى مصر «غداً».
وبادرت طهران في مناسبات عديدة إلى إرسال مسؤولين إلى القاهرة، حيث استقبل رئيس مجلس الوزراء المصري أحمد نظيف، في كانون الأول عام 2006، وفداً إيرانياً برئاسة مساعد نجاد للشؤون البرلمانية والقانونية آنذاك، أحمد الموسوي.
أما الرئيس السابق محمد خاتمي، فقد زار مصر في آذار 2007، بهدف المشاركة في ندوة عن حوار الحضارات، عقدت في مدينة الاسكندرية، والتقى في أثناء هذه الزيارة الرئيس المصري. زيارة كانت مناسبة ليطلق خاتمي من خلالها مقولته عن أن البلدين جناحان وساعدان قويان لا يمكن أن يكتمل العالم الإسلامي إلا بهما. وكشف الرئيس الإصلاحي أنه حاول كثيراً خلال فترة توليه رئاسة إيران أن يزيل العديد من المعوّقات بين البلدين في مجال السياسة لتعود العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، مشيراً إلى أنه تم خلال السنوات الأخيرة تدعيم العلاقات الثنائية في المجالات الإنسانية والتكنولوجية والاقتصادية.
أمام هذه التطورات، هل تكون مشاركة رئيس البرلمان الإيراني، غلام علي حداد عادل، في اجتماع رؤساء برلمانات دول منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة، خطوة متقدمة على طريق وضع حد لحرب الشوارع بين البلدين؟