شهيرة سلّوم
بعد اهتزاز موقعه على الساحة الدولية بفعل الاضطرابات الأخيرة داخل باكستان، يبدو أن الجولة الأوروبية الأخيرة للرئيس برويز مشرّف استهدفت استعادة رضى حلف شمالي الأطلسي والاتحاد الأوروبي ودعمهما، عبر رسائل «الديموقواطية» التي حملها، والتي تحمل عناوين «الانتخابات الحرة والنزيهة» و«تصحيح النظرة الغربية الخاطئة عن بلاده»، والتأكيد أنه «حليف لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب» وأنه «الرجل الأفضل لاستقرار باكستان».
وفي سياق مسعاه لتهدئة الخواطر، لم ينس الرئيس الباكستاني طلب تمديد «فترة السماح» لرفع معايير حقوق الإنسان والحريات المدنية في بلاده. وخاطب الأوروبيين في بروكسيل قائلاً: «لقد أخذت منكم قروناً كي تطالوها». وشدّد في الوقت نفسه على أنه ما دام في السلطة فإن بلاده «ستبقى حليفاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب».
وأينما توجه مشرف، أخذ يبرر الأسباب التي تحول دون اعتماد الديموقراطية في بلد شهد 20 عاماً من تنامي الإرهاب والأصولية في المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان. أما عن قضية رئيس المحكمة العليا افتكار تشودري، الذي أبعده ثم اعتقله بعد إعلان حالة الطوارئ في الثالث من تشرين الثاني الماضي، فبرّر أفعاله بأنّ «القاضي كان فاسداً ويتدخل في الشؤون السياسية». ورجا مشرف الأوروبيين أن ينظروا إلى «باكستان من عيون باكستانية، لا من العيون الغربية التي تُسيء فهم الديموقراطية وحقوق الإنسان في بلاده». وطمأن «الحلفاء» على الترسانة النووية، مؤكداً أنه في الحرب الذي يخوضها على الإرهاب هو «الجهة الرابحة». كما أثار أمام الأوروبيين تعاونه مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في ملاحقة قيادات «القاعدة»، ومنهم بيت الله محسود، الذي يتّهمه مع الوكالة باغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو.
رسائل مشرّف إلى الحلفاء الأوروبيين حققت مبتغاه، فلقي الدعم والتجاوب بشروط تعزيز الديموقراطية ومحاصرة المتمردين: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أعرب عن دعمه للجنرال الحليف ووعد بمزيد من المساعدات الأوروبية لبلاده، ولا سيما عندما تتسلم باريس رئاسة الاتحاد الأوروبي في تموز المقبل، وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون.
غير أن الرضى الرسمي لم ينعكس في الشارع الذي احتشد ضدّ الزائر الباكستاني، بدعوة من منظمات حقوقية اتهمته بانتهاك حقوق الإنسان وشرعية الانتخابات المرتقبة في الثامن عشر من الشهر المقبل، وطالبت الاتحاد الأوروبي بالضغط عليه لالتزام معايير الديموقراطية «المخولة وحدها التصدي للتطرّف والأصولية». كما طالبوا بلجنة تحقيق دولية للتحقيق في اغتيال بوتو، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ولا سيما المحامون والقضاة.
ولعل المحطّة الأخيرة للرئيس الباكستاني في لندن مثلت إشارة حقيقية إلى حالة مشرّف في الداخل الباكستاني، ولا سيما أن عاصمة الضباب يقطنها أكثر من مليون ونصف مليون مسلم من أصول باكستانية. والاحتجاجات التي رافقت الزيارة قد تكون عكست حجم الامتعاض الشعبي من الرئيس المنتخب حديثاً، وأثبتت أن شعبيته لم تعد كما كانت، وهو ما سوف تبرزه صناديق الاقتراع بعد أسبوعين، إذا صدقت وعود مشرّف بـ «الحرية والنزاهة».
ولم تكن تظاهرات احتجاج الخارج الإشارة الوحيدة إلى حال حكم مشرّف، إذ خلال جولته الخارجية لم تهدأ الاضطرابات وأعمال العنف والاشتباكات في المنطقة القبلية، حيث وقع مئات القتلى في صفوف المتمرّدين والجيش. إلا أن مشرّف أعرب عن اطمئنانه على حكمه المدعوم عسكرياً، مؤكداً أنه لن يحدث شيء في باكستان فبلاده «ليست جمهورية موز».