واشنطن ــ محمد سعيد
أقرّ بتباطؤ النمو ورفض الانسحاب من العراق وعرض التفاوض مع إيران بعد «تعليق التخصيب»

تميّز خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش عن «حال الاتحاد»، الذي ألقاه فجر أمس أمام الكونغرس، بنبرة الحفاظ على الأوضاع الراهنة وتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى، بما يتيح له إنهاء ولايته بهدوء قبل تسليم رئيس جديد.
وسعى بوش إلى إعادة ثقة الأميركيين بالاقتصاد المهدَّد بالفساد منذ أزمة الرهونات العقارية، وحثّ مواطنيه على «التحلي بالصبر» تجاه الحرب في العراق وأفغانستان، من دون أن يشير إلى اقتراحات جريئة اعتاد الأميركيون سماعها في هذه المناسبة، كإعلان لائحة «محور الشر» عام 2002، و«الخطر» الذي يمثله العراق عام 2003.
ودعا الرئيس الأميركي أعضاء الكونغرس إلى إقرار الخطة الطارئة بقيمة 150 مليار دولار، التي تم التوافق عليها الأسبوع الماضي بين الديموقراطيين والجمهوريين، وتهدف إلى تجنب الكساد عبر خفض الضرائب وتحفيز الاستثمار في المشاريع الجديدة. وقال: «على المدى الطويل يمكن الأميركيين أن يكون لديهم الثقة في شأن نمونا الاقتصادي. لكن على المدى القصير، فإننا يمكننا جميعاً أن نرى أن النمو يتباطأ».
وفي شأن العراق، رأى بوش أن التعزيزات البالغة 30 ألف جندي، والزيادة في عديد القوات الأمنية العراقية «حقق نتائج قلة منا كان يمكن أن يتخيلوا حصولها قبل عام». وقال: «قد يرفض البعض فكرة أن الإغراق ينجح، لكن في صفوف الإرهابيين لا يوجد هناك شك. القاعدة مطاردة في العراق، وهذا العدو سيهزم».
ولم يعلن بوش انسحابات جديدة في صفوف القوات الأميركية في بلاد الرافدين، حيث يقتصر الموضوع حتى الآن على سحب تعزيزات العام الماضي الإضافية. واستشهد في كلامه بقائد القوات الأميركية في العراق ديفيد بترايوس الذي «حذره من أن أي انسحاب مبكر قد يسبب انهيار القوات العراقية الأمنية، وعودة القاعدة إلى الأماكن التي خسرتها، وزيادة ملحوظة في أعمال العنف». وخاطب بوش أعضاء الكونغرس قائلاً: «بوصولنا إلى هذه المرحلة وتحقيق كل هذه الإنجازات، يجب ألّا نسمح لهذا بالحصول». وأضاف: «مُنيَ خصومنا في العراق بضربة قوية، لكنهم لم يهزموا، ولا يزال بإمكاننا توقع اشتباكات شرسة في المستقبل».
وحث الرئيس الأميركي إيران على تعليق تخصيب اليورانيوم «بشكل يمكن التحقق منه حتى يمكن أن يبدأ التفاوض معهم، والإفصاح عن نياتهم النووية، والتوقف عن قمع شعبهم في الداخل ودعم الإرهاب في الخارج». ولم يخلُ كلامه من نبرة التهديد، فوجه كلامه إلى طهران قائلاً: «اعلموا هذا، أميركا ستواجه هؤلاء الذين يهددون قواتنا وسنساند حلفاءنا وسندافع عن مصالحنا الحيوية في الخليج الفارسي».
وكان لافتاً في خطابه في موضوع السياسة الخارجية تناول عملية السلام في الشرق الأوسط باختصار شديد، حيث اكتفى بتأكيد رغبته في توصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق سلام قبل أن تنتهي فترة رئاسته نهاية العام الجاري. وقال إن «الولايات المتحدة تتصدّى لقوى التطرف في «الأرض المقدسة»، مشيراً إلى أن انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية «أحد أسباب الشعور بالأمل لمواجهة الإرهاب وتحقيق رؤية الدولتين». وأضاف أن «لدى إسرائيل الآن قيادات تدرك أن قيام دولة فلسطينية ديموقراطية ومسالمة سيكون مصدراً للأمن الدائم».
وقال بوش إن «هناك شيئاً واحداً تتفق فيه الولايات المتحدة مع أعدائها، وهو أنه على المدى البعيد، سيقرر الأحرار من الرجال والنساء مصيرهم وسيرفضون الإرهاب والعيش في ظل الطغيان، وهو ما يجعل الإرهابيين يحاربون من أجل حرمانهم الاختيار، سواءٌ في لبنان أو العراق، أو أفغانستان أو باكستان أو الأراضي الفلسطينية، وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة تعمل على نشر السلام والأمل من أجل حماية أمنها».
وحث بوش الكونغرس على توسيع قانون يسمح بمراقبة الإرهابيين المشتبه فيهم، وتجديد النظام التعليمي الأميركي والتوقيع على اتفاقيات تجارة حرة مع كولومبيا وباناما وكوريا الجنوبية.
وتعهد تقديم ملياري دولار لصندوق دولي جديد لتشجيع تكنولوجيا الطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي، بعد تعرضه لانتقادات دولية شديدة نتيجة رفضه المتكرر سابقاً لوضع حد أقصى لانبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة.
وكان خطاب بوش الأخير في ولايته عن حالة الاتحاد فرصة لتحديد ملامح سياسته العامة للفترة التي بقيت له في البيت الأبيض قبل أن تنتهي فترة رئاسته في كانون الثاني من العام المقبل، في ظلّ طغيان الحملات الانتخابية على المشهد السياسي في الولايات المتحدة.
وحضر الكلمة المرشحان الديموقراطيان السيناتور هيلاري كلينتون والسيناتور باراك أوباما، فيما غاب المرشحون الجمهوريون المشغولون بانتخابات ولاية فلوريدا. ورغم تقابلهما، لم يتصافح المرشحان، واكتفت كلينتون بمصافحة السيناتور إدوارد كينيدي، شقيق الرئيس الراحل جون كينيدي، الذي أعلن دعمه لأوباما أول من أمس.
وما كاد الرئيس الأميركي ينهي خطابه، حتى انهالت الردود عليه، وأولها من السيدة الأولى السابقة التي رأت أنه «لم يعرض جديداً»، مشيرة إلى أن ما قاله «التزام محبط للآمال السياسات الفاشلة نفسها التي ساعدت في تحويل فائض ضخم إلى عجز كبير ودفع اقتصاد مزدهر خلال القرن الواحد والعشرين إلى شفا الركود». وتابعت: «إنها المرة الأخيرة التي يلقي فيها (الرئيس) جورج بوش (خطاب) حال الاتحاد. العام المقبل سيلقيه رئيس ديموقراطي».
بدوره قال أوباما إن التاريخ لن يصدر حكما رحيماً على إدارة بوش، مشيراً إلى أن إخفاقات الأعوام الماضية ليست نابعة من سياسة واحدة فقط، بل «من سلسلة من الممارسات السياسية المتهالكة».
وكذلك شكك زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، في قدرة الرئيس الأميركي وحكومته على استغلال عامه الأخير في البيت الأبيض «لإصلاح ما أفسدته أعوام حكمه» السبعة الماضية.

هناك شيء واحد تتفق فيه الولايات المتحدة مع أعدائها، وهو أنه على المدى البعيد سيقرر الأحرار من الرجال والنساء مصيرهم وسيرفضون الإرهاب والعيش في ظل الطغيان، وهو ما يجعل الإرهابيين يحاربون من أجل حرمانهم الاختيار، سواء في لبنان أو العراق، أو أفغانستان أو باكستان أو الأراضي الفلسطينية، وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة تعمل على نشر السلام والأمل من أجل حماية أمنها