strong> ربى أبو عمو
بدأ صدى الحرب الباردة يتردّد بقوّة داخل البلاط العالمي، وتحديداً بين الولايات المتحدة وروسيا. لم يُغفل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس هذه الحقيقة. فخلال إعلانه الميزانية العسكرية للبنتاغون لعام 2008، قال جهاراً إن الولايات المتحدة لا تزال تعدُّ روسيا والصين «عدّوين قويين، ويمثلان تهديداً لأمنها».
لمواجهة هذين «العدوين»، اختارت الولايات المتحدة التمترس خلف حلف شمالي الأطلسي الذي تأسّس عام 1949 بناءً على معاهدة شمالي الأطلسي التي وُقِّعَت في واشنطن في العام نفسه، في محاولة لتكوين صيغة جماعية للدفاع عن أمن أوروبا الغربية في مواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي سابقاً، والدول المؤلفة لحلف وارسو. وانطلاقاً من الدول المكونة لهذا الحلف، يمكن استنباط ماهية «الأطلسي» ودوره على الساحة العالمية، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول، التي كرّست طموحاته التوسعية من خلال حملة مكافحة الإرهاب علناً، وتطويق روسيا ضمناً.
وتمثّل النزعة التوسعية للحلف باتجاه دول شرق أوروبا، محاولة لمحاصرة روسيا والصين من جهة، وتطويق إيران من جهة أخرى، من خلال تعزيز القدرة العسكرية للحلف، والحضور في الحدود البحرية لهذه الدول.
لقد تمكّن «الأطلسي» من محاصرة مقاطعة كالينينغراد التي تفصلها عن روسيا، بولندا وليتوانيا (دولتان داخل الحلف)، وبالتالي تعطيل الدور الروسي في بحر البلطيق. أما وجود تركيا ورومانيا وبلغاريا، فمهمته، بحسب الخطة الأميركية ـــــ الأطلسية، محاصرة روسيا من جهة البحر الأسود. ومع انضمام أوكرانيا وزملائها في عام 2004، منح البرلمان الأوكراني قوات الحلف حق المرور في أراضيها.
وما يثير الشكوك في ماهية عمل «الأطلسي» هو «المعايير النوعية المخففة» التي يعتمدها في قبوله الأعضاء الجدد من دول أوروبا الشرقية، وخصوصاً أن جيوشها غير قادرة على العمل مع القوات الأميركية والأوروبية القوية تدريباً وتسليحاً.
وضمن سياسة مكافحة الإرهاب، يحدِّث الحلف مطاراته العسكرية، ويُنشئ قواعد لتخزين المعدات الحربية، ويسلِّح جيوش الدول التي انضمت إليه حديثاً بأسلحة غربية، مستبدلاً بذلك الأسلحة الروسية. إضافة إلى إنشائه محطات رادار موجهة إلى المدن الروسية الكبرى، والمراكز الصناعية العسكرية الأخرى.
وعلى صعيد منطقة القوقاز، بدأ الأطلسي والولايات المتحدة اعتماد سياسة مد أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان بالمساعدات العسكرية، وخصوصاً أن أذربيجان هي ثاني أكبر قوة بحرية في المنطقة بعد روسيا. وسعت إيران إلى زيادة وجودها العسكري في بحر قزوين بنقل وحدات بحرية من الخليج، إضافة إلى تفوّق قواتها البحرية في هذه المنطقة كمّاً ونوعاً.
ومن البديهي أن يثير هذا الحصار «الأطلسي» قلق الدب الروسي، الذي سار في صياغة مشروع مواجه بعدما خرق الحلف وعوده؛ فمن الوجهة الروسية، لم يعد دافع الأطلسي هو السلام، وخصوصاً أن موسكو ترى أنها تواجه تهديدات عسكرية كبرى لم تشهدها خلال الحرب الباردة. فكان لا بد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المطالبة ببناء قوة عسكرية روسية لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
وأمام الاستراتيجية الأميركية الجديدة، سعت الصين وروسيا إلى تأليف تحالف إقليمي ليكون سداً في وجه الاختراق الأميركي لآسيا الوسطى والمناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي سابقاً. فكانت مجموعة شنغهاي في عام 1996 التي ضمّت الصين وروسيا وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، إضافة إلى أوزبكستان. وتهدف هذه المنظّمة إلى إعادة ترسيم الحدود بين جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي من جهة، والصين من جهة أخرى، وتنسيق الحرب على الإرهاب والنزعة الانفصالية والتطرّف، إضافة إلى التعاون الاقتصادي.
وهكذا، يمكن القول إن «الأطلسي» تحوّل إلى «عصا» بيد الولايات المتحدة لإعادة الدب إلى سباته العميق. فمن سيكون الأقوى، في لعبة شدّ الحبل؟