برلين ــ غسان أبو حمد
أجمعت وسائل الإعلام الألمانيةأمس على التأكيد أن حزب اليسار الألماني، لم يعد «الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية»، بل تحوّل إلى حزب «ألمانيا الموحّدة»، اليساري بامتياز، بعدما بات ممثلاً في برلمانات 9 محافظات ألمانية، مع الإشارة إلى تصاعد شعبيّته في أوساط الناخبين

تعليقات مرشّحي الحزبين الحاكمين في ألمانيا، «المسيحي الديموقراطي» و«الاشتراكي الديموقراطي»، ركّزت على تحليل أسباب الهزيمة الانتخابية في هيسن وساكسونيا السفلى نهاية الأسبوع الماضي، والدوافع التي أدّت بالناخبين الألمان إلى منح أصواتهم لمرشّحي الأحزاب الصغيرة، وتحديداً «حزب اليسار»، في محاولة للتقليل من حجم الخسارة «الفاجعة» (بحسب الصحف الألمانيّة) وتأكيد رفض التعاون مع «الشيوعيّين» في محاولة «يائسة» لشدّ عصب الناخبين المحافظين، من خلال استعادة «فاشلة» لأوصاف من ذكريات الماضي.
ورغم الخلاف السياسي السائد بين الحزبين الرئيسيّين، وتحديداً بشأن الملفّات الخارجيّة، أكّدت قيادتاهما «الرفض الكامل» للتعاون مع «حزب اليسار»، معلنة مباشرة الحوار مع أحزاب رديفة تاريخياً، أي «الليبراليين الأحرار» وحزب البيئة «الأخضر» لتشكيل برلمانين في هيسن وساكسونيا السفلى من دون منح اليساريين حجم المشاركة في القرار السياسي.
يُذكر هنا أنّ الخلاف السياسي بين الحزبين الرئيسيين داخل الائتلاف الحاكم، كان قد برز إعلامياً إلى العلن، بعد اصطفاف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المنتمية إلى «التجمع المسيحي الديموقراطي»، الواضح وراء السياسة الأميركية ونهج إدارتها الحالية المتصلّب، في مواجهة وزير الخارجيّة فرانك فالتر شتاينماير، التابع لـ«الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، الذي اختار طريق الحوار قبل فرض عقوبات، مؤكداً أهمية عدم استفزاز دول مركزية، مثل سوريا وإيران، لها تأثيرها ودورها في عملية السلام والاستقرار العالمي.
وفي جولة سريعة على المواقف الحزبية واحتمالات التحالفات المتوقعة، أبدى «الحزب الليبرالي» رفضه لأيّ تحالف جبهوي يجمعه مع الاشتراكيين والخضر (يطلق على هذا التحالف في ألمانيا تسمية «تحالف إشارة المرور» بسبب ألوان الأحزاب الثلاثة؛ الأحمر والأصفر والأخضر)، قاطعاً بذلك الأمل على الاشتراكيين الديموقراطيين، ومفوّتاً عليهم فرصة رئاسة الحكومة في المقاطعتين، وبالتالي، مرجّحاً، عن غير قصد ربّما، موقع اليساريّين الذين فرضوا وجودهم وتحوّلوا إلى «بيضة قبّان» عند البحث في أي صيغة تحالفية جديدة، شاءت الأحزاب الرئيسية أم كابرت.
أمّا بالنسبة إلى المرشح الفائز عن الحزب «الأخضر» في هيسن، طارق الوزير (والده يمني)، فهو أعلن عدم الاستعداد للدخول في تحالف مع المسيحيّين الديموقراطيين والليبراليين في صيغة تحمل تسمية «تحالف جمايكا» بسبب ألوان الأسود والأصفر والأخضر للأحزاب الثلاثة. وهذا الموقف يعزّز بدوره موقع اليساريين في برلمانَي المحافظتين، ويشركهم في القرار الحكومي إلى جانب مشاركتهم النيابية.
وفي السياق، يرى أستاذ السياسة في «الجامعة الحرة» في ألمانيا، نيلز ديتريش، أنّ حزب «اليسار» هو الوحيد المستفيد ممّا حدث، ويشير في تحليله إلى المحطات التاريخيّة الثابتة في مساره الانتخابي، ويستخلص العبر التالية:
أولاً، كشفت النتائج الانتخابية في هيسن وساكسونيا السفلى أنّ اليساريّين «يقطعون المسافة بسرعة» ويحتلون مواقعهم بثبات وتخطيط في محافظات معروفة تاريخياً بخطها السياسي اليميني والمحافظ.
ثانياً، ربما استفاد حزب اليسار من أخطاء الحملة الانتخابية التي قادها مرشّح التجمّع المسيحي الديموقراطي، رولاند كوخ، ضد «الأجانب»، وهي أخطاء فادحة وغير منطقية قد تتفادى قيادة حزبه مستقبلاً الوقوع بمثلها. إلّا أن هذا لا يكفي وحده إذ كان بإمكان الاشتراكيين الاستفادة من هذه الأخطاء قبل سواهم. وقد ثبت أن اليسار استفاد منها، وهذا ما دفع بالناخبين في المقاطعتين إلى الالتفاف حول برنامجه السياسي الذي يلبّي تطلعاتهم وهواجسهم المستقبلية.
ثالثاً، يجب على اليساريّين التفكير بمنطق ثابت وعدم الوقوع بعقدة الغرور؛ ففوزهم في 9 مقاطعات ألمانية حتى الآن، لا يسمح بتأكيد ثبات الناخبين الألمان على موقفهم. والمطلوب هو المزيد من الوقت والسير قدماً بثبات وبرنامج سياسي يجيب عن جميع أسئلة الناخبين واحتياجاتهم اليومية. وهنا يجب الانتظار حتى موعد الانتخابات المقبلة في مقاطعة هامبورغ المقرّرة في 24 من الشهر المقبل، وبعدها تتوضّح الصورة، بما فيه الكفاية للإجابة عن سؤال كهذا.