بغداد ـ زيد الزبيدي
باتت وسائل الإعلام تنظر إلى العراقيّين على أنهم مجرّد أرقام؛ فنشر خبر مقتل عشرة أو عشرين عراقيّاً في اليوم الواحد، قد لا يثير الاهتمام مقارنة بحدوث الخبر عينه في مكان آخر. أمّا السبق الصحافي، فيتمثّل في عبارة «لا قتلى في العراق اليوم».
ولا يشكّل القتل سوى جزء من الحياة اليومية في بلاد الرافدين، فالتفاصيل قد تكون أشدّ قساوة. وفي هذا السياق، يرى أحد مستشاري رئيس الجمهورية جلال الطالباني، أن الخبراء الأميركيّين أُصيبوا بالدهشة حين اكتشفوا أن محطّات توليد الطاقة الكهربائية «القديمة»، تنتج ما يسدّ حاجة العراق. لذا يتساءل العراقيون عن مبرّر إيقاف تلك المحطّات بحجّة استبدالها بأخرى جديدة، إذ لم يستفيدوا منها طيلة خمس سنوات من الاحتلال.
ولا تتناول وسائل الإعلام قضيّة حرمان العراق من الكهرباء ومدى تأثير ذلك على حياة الناس والأوضاع الاقتصادية والتجارية والصناعية والخدماتية، بما في ذلك التفاصيل الصغيرة، كشحّ المياه في المنازل ومعوّقات دراسة الطلبة، بل تكتفي بالتركيز على أخبار الانفجارات والاشتباكات والخلافات السياسية وتحالفات الخريطة المعقَّدة.
ويرى أحد المديرين العامين في وزارة خدماتية أن هناك الكثير من التصريحات تتعلّق بـ«الحكومة الإلكترونية» أو «الوزارة الإلكترونية»، «لكننا في الحقيقة عدنا إلى مرحلة القلم والدفتر والسجلّ، بعدما كانت المعلومات عندنا تخزَّن في أجهزة الكومبيوتر» قبل 2003. ويضيف أن «كوادرنا الفنية على صلة بكيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة، إلا أننا نعيش حياة بدائية مع فقدان الكهرباء، إذ لا يمكن تشغيل أجهزة الكومبيوتر على الفحم أو الحطب».
ولا تقتصر مشكلات العراقيّين عند هذا الحدّ. إذ تُضاف إليها، بحسب المدير نفسه، معاناة الموظّفين والمواطنين في فصلي الصيف والشتاء، إذ لا يمكن تشغيل أجهزة التبريد أو التدفئة بسبب النقص في المولّدات الكهربائية، وصعوبة الحصول على الوقود.
ويلاحظ الصحافي نصرت حسن أنّ مستشفى «ابن الهيثم» على سبيل المثال، وهو المستشفى الأكثر شهرة في العراق والمتخصّص في طبّ وجراحة العيون، تضمّ مولّدات كهربائيّة قديمة كانت تُستخدَم في الحالات الطارئة خلال العهد السابق، إلا أنها اليوم فقدت الكثير من أجزائها على يد السارقين الذين نهبوا مؤسّسات الدولة بعد سقوط بغداد. لذا فهي تعمل جزئياً وتتعرّض لأعطال كثيرة، ما دفع بالأطبّاء إلى شراء قطع غيار من مالهم الخاص.
وأضاف حسن «راجعت المستشفى لإجراء جراحة في عيني. وعند الفحص، انقطعت الكهرباء الحكومية رغم أنّ المستشفى خاضعة للتغذية الاستثنائيّة».
ربما هي أمثلة بسيطة لعملية الموت البطيء الذي يكابده الشعب العراقي، من دون ضجّة إعلامية. ويمكن القول إنّ التركيز الإعلامي على أخبار التفجيرات هو جزء من عملية التعتيم على القتل الجماعي غير المباشر.
وكان وزير الكهرباء وحيد كريم قد كشف أول من أمس عن «كذب» الادّعاء عن وجود أعمال تخريبية وراء تدهور المنظومة الكهربائية، إذ قال «لن تستقرّ الكهرباء في العراق قبل عام 2011»، رغم إعلان الحكومة وإدارة الاحتلال أن الوضع الأمني مستقرّ وفي تحسّن مستمر. وكان مستشار الطالباني قد نقل عن خبراء أميركيّين أخيراً قولهم إنّ إصلاح وتبديل المنظومة الكهربائية يحتاج إلى خمس سنوات، وقد شارفت المدّة على الانتهاء من دون أي تحسّن ملموس.
وتحت حجّة تأمين التيار الكهربائي، تمّ تعطيل المصافي النفطية بهدف رفع أسعار الوقود، بحسب طلبات البنك الدولي، إضافة إلى تعطيل معامل الإسمنت الـ14 التي كانت تغطّي حاجات السوق العراقيّة وكان يفيض منها جزء للتصدير.