بغداد ــ زيد الزبيدي
في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن عودة محتملة لوزراء الكتل السياسيّة المنسحبة من حكومة نوري المالكي منذ أشهر، يسيطر النقاش بشأن الحصص الموعودة ونسب المغانم المأمولة، وتغيب المطالب التي تمسّ المواطن العراقي مباشرة، والتي لخّصتها «جبهة التوافق العراقيّة»، في مطالبها الـ11، في مقدّمتها «تعويض العراقيّين الذين جرى توقيفهم وتعذيبهم أو حتّى لقوا حتفهم من دون توجيه تهم إليهم».
وقد ضمنّت «التوافق» هذا البند إلى مشروع قانون بعنوان ««حقّ البريء» سيُطرح على التصويت في مجلس النوّاب قريباً، وهو يلقى معارضة من جانب الحكومة والاحتلال في آن واحد، وقد يسبّب هذا الرفض عرقلة عودة وزراء «الجبهة» رغم التفاؤل الذي يغطّي هذا الاحتمال منذ فترة.
ويفتح مشروع قانون «حق البريء» أبواباً ليس من السهل إغلاقها، وقد يثير مشكلات لا تُحمَد عقباها بالنسبة إلى الحكومة والاحتلال. وتتزامن إثارة هذا الموضوع، مع مشروع قانون العفو المتعثّر حتّى اليوم، بسبب رغبة بعض الكتل بإفراغه من محتواه، وجعله خاصّاً بإطلاق سراح «الأبرياء الذين لم تنسب إليهم أيّ تهمة»، ما ينفي ضرورة إصدار هذا القانون، بينما تطالب كتل أخرى بتعويض هؤلاء عن كلّ الأضرار التي لحقت بهم.
وعاد مشروع القانون إلى الصدارة، بعد ما كشفته النائبة عن «جبهة التوافق العراقية»، صاحبة المبادرة في هذا التشريع، شذى العبوسي، عن أنّ «حقّ البريء» يُدرَس حاليّاً في البرلمان، وأنه قد يُدرَج من ضمن بنود قانون العفو العام، وهو يتضمّن «تعويض كل من اعتُقل بشكل عشوائي من دون أي تهمة، ويشمل كلّ الذين اتهموا ثم لم تثبت إدانتهم، والذين توفّوا أثناء التحقيق، والذين أصيبوا بعاهات أو فقدوا أعمالهم أو خسروا دراستهم» بسبب التوقيف الاعتباطي.
وفي حال صدور قانون كهذا، فلا بدّ أن يكون بأثر رجعي، وأن يشمل كلّ الذين اعتقلوا وأُطلِق سراحهم منذ الاحتلال، أسوةً بقرار حكومات بغداد ما بعد 2003، تعويض كلّ من اعتُقل أو سُجن في العهد السابق، بمجرّد أن يأتي «الضحيّة» بكتاب من أحد الأحزاب يشير فيه إلى أنّه من أعضائه، وأنّ التهمة التي اعتُقل أو حُوكم بموجبها «كيدية».
وبحسب إحصائيات منظمات حقوق الإنسان الدولية، فإنّ أكثر من مليون عراقي دخلوا المعتقلات منذ الغزو حتى اليوم، وبلغت نسبة الأبرياء منهم نحو 90 في المئة، والتهمة الوحيدة الموجّهة إليهم هي «مناهضة الاحتلال»، وبالتالي، فإنّهم جميعاً يستحقّون التعويض المادّي والمعنوي.
ولمّا كان مشروع القانون المقترح، يشمل «المتوفّين» خلال الاعتقال، فهو من دون شكّ، يشمل أيضاً المفقودين، الذين عُثر على جثثهم «المجهولة»، وعددهم وصل في محافظة النجف وحدها، إلى أكثر من 40 ألف جثّة، بحسب مصدر مسؤول في المحافظة.
ورأى الحقوقي عبد المنعم حسن أنّ الحكومة، أو «قوّة الاحتلال»، هي المسؤولة مادّياً ومعنوياً عن مئات الآلاف من ضحايا أعمال العنف والتفجيرات، وعشرات الآلاف من ضحايا القتل العشوائي والاغتيالات. وبناءً على ذلك، يرى حسن أنّ «أي حكومة لديها شعور بالمسؤولية والإنسانية، عليها تعويض ملايين المشرّدين المهجّرين، الذين سُلبت بيوتهم وممتلكاتهم وأعمالهم، لأنّ معاناة هؤلاء لا تقلّ عن معاناة المعتقلين، بل ربما تفوقها بكثير».
وفي السياق، يلفت المتحدّث باسم أمانة بغداد، عادل العرداوي، إلى أنّها قدّمت شكاوى كثيرة الى الجهات المسؤولة، بسبب قيام الآليات الأميركيّة «غير المنضبطة» بتدمير الأرصفة والجزرات الوسطيّة والشوارع وسياجاتها والحدائق والمتنزهات، «حتى أصبح أي عمل نقوم به عرضة للتخريب في اليوم التالي».
ويوضح تصريح العرداوي حجم التعويضات التي على الاحتلال دفعها «جراء تخريبه البنى الأساسية، وما سبّبه من تعطيل للخدمات وهدر للثروات وتشجيع لتفشّي الفساد، فضلاً عن الدماء التي أريقت».