برلين ــ غسان أبو حمد
طبع توسيع اتفاقية «شينغن» لتشمل تسع دول جديدة، العام الأوروبي، بعدما كان زعماء الاتحاد قد وقّعوا على «معاهدة لشبونة» لتكون الطريق إلى الدستور، الذي أفشلته خلال الأعوام الماضية خلافات الأطراف الأوروبية


التقطت عدسات التلفزة، ومعظم وكالات الأنباء الرسمية الأوروبية، صور مناسبة فتح الحدود الألمانية البولندية في نهاية العام، ودخول الملايين من العائلات البولندية والبلغارية والرومانية إلى قلب الاتحاد الأوروبي من دون «تفتيش» على أنها «هدية بابا نويل» إلى «المولودين الأوروبيين الجدد».
قد يكون الوقت مبكراً لدراسة المعطيات والتحوّلات البنيوية الجديدة على ساحة الاتحاد الأوروبي بعد انضمام عضوين جديدين إليه، في مطلع العام، وهما رومانيا وبلغاريا، والاستعداد قريباً لاستقبال «نصف دزينة» أخرى من الدول الأوروبية المتعبة والمرشّحة للانضمام.
السعادة تغمر الجميع في الاتحاد الأوروبي «الحنون والعطوف»، وتحديداً القطاع الصناعي، الذي ربما وجد في خطوة فتح الحدود أمام «الجائعين وبائعي الدخان المهرّب» (التسمية شائعة في برلين)، حلاً لمشاكله ومعاناته تحت وطأة ارتفاع عملة اليورو، الأمر الذي دفع ببعض الصناعات الأوروبية الضخمة والشهيرة (طائرات وسيارات) إلى الانتقال من «جغرافيا اليورو» إلى «جغرافيا الدولار»، حيث اليد العاملة رخيصة والأرباح أكثر. فكيف هي السعادة في حال استقدام اليد العاملة الجائعة والمتعبة، والأهمّ «الرخيصة»، إلى قلب الاتحاد الأوروبي؟
وتبقى «القطبة المخفية» لمعرفة طبيعة وشكل وحجم هذا النهوض الأوروبي. هل حقاً تتساوى مصالح الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدّمها ألمانيا، مع مصالح الدول الزراعية؟ وإلا فماذا تعني العضوية المنقوصة وغير الكاملة، أي السلبية؟ وبماذا تختلف أهداف الدول الصناعية الكبرى عن أهداف سواها من الدول الأعضاء؟ ومن يملك الحق بمراقبة سواه؟ ولماذا لا تحظى كل من رومانيا وبلغاريا بأفراح الأعضاء الآخرين، وتحديداً عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، بعيد انضمامهما؟
هل هاتان الدولتان (بلغاريا ورومانيا)، اللتان ترفعان عدد سكان الاتحاد الأوروبي إلى 30 مليون نسمة إضافية، وملايين السهول الخصبة والتاريخ الغني، هما من الدول الأوروبية «اللاجئة»، التي لا تأخذ إلا بشروط قاسية ولا تنمو إلا وفق مقاييس معينة؟
ها هي ألمانيا، تبحث، في فترة رئاستها نصف السنوية للاتحاد الأوروبي عن مصادر الطاقة، فتصل إلى منابع النفط في روسيا، وتحاول التكفير عن جرائم «النازية» بدعمها دولة إسرائيل بالغواصات النووية وترتيب أوضاع الحرب والسلام في الشرق الأوسط. ها هي ألمانيا، تحاول ترتيب أوضاع البيت الأوروبي والدول الصناعية عبر رسمها لصياغة دستور أوروبي جديد يمنح جسمها حجماً أكبر. وها هي ألمانيا ترتفع إلى مستوى الأناقة، في رسمها لسياسة حماية البيئة من التلوّث والمحافظة على سلامة الكون: ممنوع التدخين!.
قضايا مركزية رسمت طابع الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من العام الماضي.
وها هي البرتغال، تسترجع بدورها أسطورة «ماركو بولو» وتاريخ شق البحار، فترسم في عهدها خرائط طرق إلى أفريقيا (اتفاقية لشبونة)، وانضمام تركيا والإسلام والعلمانية، أي الشرق الأوسط بكامله وصولاً إلى إيران وتركيا (صواريخ وقنابل وحروب وسلام، وإطلالة للمفاعل النووي الإيراني ومعه الأكاذيب الأميركية).
منذ اليوم الأول لتسلّمها رئاسة الاتحاد الأوروبي واجهت الرئاسة الألمانية مجموعة من الملفات الشائكة والتحديات الإقليمية والدولية، أبرزها مشروع الدستور الأوروبي الموحّد، وملفّا الطاقة والبيئة، ودفع عملية السلام الشرق أوسطية، ووضع كوسوفو، وسواها من الملفات السياسية الظرفية، التي تمكنت من حلّها نتيجة ثقة الأطراف، موضوع النزاع، بدورها الحيادي وقدرتها على تقديم العون والمساعدة.
تسلّمت ألمانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي في اليوم الأول من عام 2007، وكانت «العيدية» عبارة عن عضوين جديدين، هما رومانيا وبلغاريا، ينضمان إلى حلقة الاتحاد الأوروبي، ويرفعان عدد الدول المنضوية إلى 27 دولة، تحكمها عملياً، قاعدة «المساواة غير المتساوية»، وترجمتها السياسية تعني، فرض إصلاحات قاسية على العضوين الجديدين كشرط للحصول على دعم مالي من الاتحاد (قيمته 35 مليار يورو) والتمتع تالياً بمزايا العضوية الكاملة.
وفي تقويم سريع للفشل والنجاح والثغرات في مرحلة الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي، يمكن تسجيل الآتي، قبل الدخول في ملفات العمل التقليدية «دولياً»، ومنها ملف النزاع في الشرق الأوسط وتفاصيل المناخ والبيئة ولعبة الأحزاب «الخضراء» ومنع التدخين، بالإضافة إلى سلسلة قمم أبرزها قمة «سامارا» الروسية (17/18 أيار 2007)، وتليها أهمية، القمة الأوروبية ـــــ الأميركية في واشنطن (30 نيسان)، والقمة الأوروبية ـــــ الكندية في برلين والقمة الأوروبية ـــــ اليابانية (حزيران).
وفي الملاحظات السريعة تبدو اليقظة الأوروبية وتوسعها باتجاه الطاقة:
أولاً: النفط الروسي وأهمية الطاقة بالنسبة إلى الدول الصناعية الثماني الكبرى التي ترأسها ألمانيا أيضاً. في هذا المجال، تحدد رئيسة شعبة العلاقات الدولية للاتحاد الأوروبي بينيتا فيرو ـــــ فالدنر الخطوط العريضة للتعاون الأوروبي ـــــ الروسي بالنقاط التالية: إن روسيا جار «جغرافي» للاتحاد الأوروبي، والخلافات معه لا يجوز أن تتعدى خلافات الجيران في حيّ واحد. إن روسيا تبقى أهم حليف استراتيجي للاتحاد الأوروبي. وأخيراً، هذا الواقع يفرض البحث الدائم عن أرضية مشتركة باتجاه التعاون.
وعندما نتحدث عن الطاقة، علينا عدم نسيان البيئة والتلوث، اللتين تهمان الكائنات الحية واستمرار الحياة والنمو. هكذا، بدا الاتحاد الأوروبي واثقاً من المكاسب التي سيحصل عليها عند ملامسته مصادر الطاقة والنفط الروسية. هكذا سعت برلين إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي لدول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما على صعيد مصادر الطاقة المتجددة، وضمان عمليات الإمداد من بعض المزوّدين مثل روسيا. وفي هذا الإطار، أشارت المستشارة إنجيلا ميركل إلى أن «احتياطات النفط والغاز ستتركز في المستقبل في عدد صغير من الدول. يجب أن تخفّض أوروبا تبعيتها لضمان عمليات الإمداد على المدى البعيد».
ثانياً: الاتفاق بشأن معاهدة جديدة لإصلاح مؤسسات الاتحاد للحلول محل مشروع الدستور الأوروبي الذي رفضته غالبية الفرنسيين والهولنديين عام 2005. وتتجلى أهم الإصلاحات التي يتوقع أن تتضمنها المعاهدة الجديدة في توفير قيادة قوية للاتحاد الأوروبي، ودعم سياسة خارجية موحّدة، وإعطاء البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية صلاحيات أوسع.
لقد احتل الدستور الأوروبي أولوية قصوى في الأجندة الألمانية، ما ألزم السياسة الألمانية بتحقيق التوازن بين مصالح الدول الثماني عشرة التي صدّقت مشروع الدستور، ومصالح الدول الأخرى المتحفّظة عليه، مثل بريطانيا وجمهورية التشيك وبولندا. ويهدف هذا المشروع إلى ضبط عملية صنع القرارات في الاتحاد الأوروبي بعد توسيعه. كما يُنظر إليه على أنه عنصر حيوي لضمان عمل الاتحاد بسلاسة.
ومن الرئاسة الألمانية إلى البرتغالية. هكذا انتقلت رئاسة الاتحاد إلى دولة على معرفة كاملة تاريخياً بجيرانها الأفارقة والعرب، وتملك صداقات تاريخية تقليدية وعلاقات تعاون هادئة مع جيرانها. من هنا، أمضت البرتغال الأشهر الستة الماضية في مساعي التوفيق وحلحلة الأمور.
ويعتقد بعض المحللين بأن معرفة البرتغال التاريخية بشؤون التفاوض التجاري، ساعدتها كثيراً على حلحلة الأمور وكسب ثقة جيرانها العرب والأفارقة. هذه القدرة «التجارية»، مكّنت البرتغال من تحقيق اتفاق بشأن معاهدة الإصلاح الأوروبي، توصل رؤساء حكومات ودول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في قمة «لشبونة» إلى اتفاق بشأن معاهدة هامة لإصلاح التكتل الأوروبي، مُنهين بذلك عامين من أزمة سياسية حادة، نجمت عن رفض مسودة الدستور الأوروبي في كل من فرنسا وهولندا. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الاتفاق الأوروبي الجديد، يمنح الاتحاد رئيساً لأجل طويل ومنسّقاً للسياسة الخارجية، يتمتع بسلطات أكبر ونظام أكثر ديموقراطية في عملية صنع القرار. وقد جاء هذا الاتفاق بعدما جرى التغلّب على العقبتين الرئيسيتين وتحقيق المطالب البولندية والإيطالية..
اكتسبت فكرة إقامة تحالف استراتيجي بين الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد الأفريقي في قمة لشبونة (شارك فيها 26 زعيماً أوروبياً و53 زعيماً أفريقياً) زخماً جديداً لم يسبق له مثيل، نظراً إلى خوف الأوروبيين المتزايد من تهميش نفوذهم بعد تحوّل أفريقيا إلى ميدان للصراع بين القوى العالمية. الرئيس المصري حسني مبارك علّق بالقول إنه يتعيّن على القارّتين خلق مشاركة حقيقية من التضامن والاحترام المتبادل تدافع عن أولويات أفريقيا ومصالحها الخاصة، فاتحاً بذلك كوة جديدة للإطلالة على التحوّلات التاريخية في العالم.