strong>معمر عطوي
ربما كان لافتاً حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تبدأ اليوم في الدوحة، في وقت تتصاعد فيه حدّة الأزمة النووية الإيرانية، التي باتت معظم دول الخليج ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها، وهي التي تسعى إلى إطلاق برنامج نووي مشترك في ما بينها.
وقد يكون حضور نجاد، الذي يعدّ الأول من نوعه لرئيس إيراني منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، فرصة لتبادل التطمينات. تطمينات لم يترك المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة فرصة إّلا وبثّوها، في محاولة لكسب ودّ جيرانهم الذين تزوّدوا بأسلحة أميركية بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
تطمينات لا بد منها، في وقت يواجه فيه البرنامج النووي الإيراني أزمة دولية قد تُفضي إما الى حرب أو الى عقوبات مشددة. وهي فرصة تجدّد من خلالها الدول الخليجية تأكيدها أنها لن تكون طرفاً في أي ضربة محتملة ضد إيران. لكنها في المقابل، تحتاج الى تطمين إيراني بأنها لن تكون هدفاً لصواريخ طهران التي تطوّرت الى درجة بالغة التعقيد.
وقد تكون القمة فرصة لترتيب البيت الخليجي بضفتيه الفارسية والعربية قبل حدوث أي تطور عسكري محتمل في المنطقة. ترتيب يندرج في سياقه حضور الملك السعودي عبد الله، رغم ما يسود من فتور في العلاقات بين بلاده وقطر.
لعل الحاجة أصبحت متبادلة لدى الإيرانيين والخليجيين، على السواء، الى مثل هذه اللقاءات. حاجة تنبع من اعتبارات عديدة: منها ضرورة تعزيز العلاقات مع الرياض من أجل امتصاص التوتّرات المذهبية في لبنان والعراق، واستكمال المحادثات الإيرانية ـــــ البحرينية، التي بدأت قبل أسبوعين، مع زيارة نجاد الى المنامة بغرض طمأنة الجزيرة الخليجية إلى أن لا أطماع إيرانية فيها.
وتعزز هذه الفرضية زيارة قام بها وفد عسكري عماني الى طهران أمس، بينما تدعو إيران باستمرار إلى إبرام معاهدة للتعاون الأمني مع دول الخليج باعتبارها الحل الأمثل لتأمين المنطقة وتخليصها من القوات الأميركية. رغم أن هذه الدعوة تقابلها دول الخليج بالتجاهل، نظراً لارتباطها بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة التي تحتفظ بقواعد عسكرية كبيرة على أراضي هذه الدول.
من المؤكد أن هناك مشكلات عديدة لا تكفي التطمينات لحلِّها، لعل أبرزها مشكلة الجزر الثلاث بين إيران والإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، والمؤجّلة الى حين. لذلك استبقت أبو ظبي زيارة نجاد بتأكيد تصميمها مجدداً، على استعادة الجزر، داعيةً طهران، على لسان الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان الى مفاوضات ثنائية مباشرة أو اللجوء الى التحكيم الدولي لتسوية هذا النزاع.
وربما كانت النكسة الثانية لإيران، عشية هذه القمة، إعلان الرياض عن استبعادها فك ارتباط عملتها بالدولار، بعدما دعت الإمارات إلى إصلاحات في نظام صرف العملة في المنطقة.
هذا الإعلان السعودي، الذي كان هاجس إيران وفنزويلا في قمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» في الرياض الشهر الماضي، ورد على لسان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف عقب اجتماع لوزراء مالية مجلس التعاون في الدوحة أمس.
من اللافت هنا الإشارة الى أن وزراء المالية والخارجية في دول مجلس التعاون قد ناقشوا أمس، في اجتماعات مشتركة ومنفصلة، جدول أعمال القمة التي ستبحث الوضع الإقليمي المتوتر جراء أزمة الملف النووي الإيراني ومشروع الوحدة النقدية الخليجية المترنّح وضعف الدولار الذي يؤجّج التضخّم في دول الخليج ويقضم عائداتها النفطية.
وبرأي دبلوماسي غربي في الدوحة تحدث أمس لوكالة «فرانس برس»، فإن الدوائر الدبلوماسية الغربية في الخليج تنظر «باهتمام بالغ» إلى زيارة نجاد «غير المتوقعة»، التي تمثّل «خبطة إعلامية».
كما يرى المحلّل والكاتب السعودي، خالد الدخيل، أن مشاركة نجاد في القمة «لافتة جداً»، لأنها تأتي في هذا الوقت تحديداً بعد مؤتمر أنابوليس وفشل المحادثات الأخيرة بين طهران والاتحاد الأوروبي. ويرى الدخيل أن «الظروف توحي أنه إذا استطاع الخليجيون أن يجعلوا إيران تشعر بمزيد من الارتياح إزاء نيّاتهم تجاهها وهم حلفاء واشنطن، فإن ذلك قد يسهم في دفع طهران باتجاه التجاوب مع المطالب الدولية».
لكن ثمة مسلّمة ثنائية يبدو أن نجاد سيشدّد عليها في لقاءاته، هي طمأنة جيرانه إلى أن أراضيهم لن تكون عرضة لصواريخ بلاده، وفي الوقت نفسه إصرار طهران على المضي قدماًَ ببرنامجها النووي رغم ما يثيره من جدل.