حسام كنفاني
في الذكرى الستين لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة، الذي أحدث وقتها نقمة عربية وفلسطينية ضد ما تضمّنه من إجحاف بالحقوق الفلسطينية الطوبوغرافية والديموغرافية، يمكن اليوم تمييز مسار من انحدار المطالب العربية والفلسطينية من الأرض التاريخية.
ففي التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرارها الشهير رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، فأعطى 55 في المئة من الأراضي الفلسطينية إلى الدولة اليهودية، شاملاً شريطاً بحرياً يمتد من أسدود إلى حيفا تقريباً، ما عدا مدينة يافا، إضافة إلى غالبية مساحة صحراء النّقب ما عدا مدينة بئر السبع، وشريط على الحدود المصرية. واستند إلى أماكن وجود التّكتّلات اليهودية، التي كانت تسيطر، وفق وثائق الملكية الرسمية، على سبعة في المئة من أرض فلسطين.
في المقابل، كانت الدولة العربية، بحسب القرار نفسه، تمتد على كامل مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى سيطرتها على مناطق واسعة من الجليل المتاخم للحدود اللبنانية وامتداد قطاع غزة إلى مدينة أسدود شمالاً، وعلى نصف حدود فلسطين مع مصر شرقاً. وأبقى القرار مدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.
الرفض العربي والإسرائيلي لقرار التقسيم مهّد لحرب عام 1948، التي أعقبتها النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل على مساحة ما يزيد على 60 في المئة من فلسطين التاريخية، متخطية بذلك حدود قرار التقسيم، وأبقت على الضفة الغربية، التي أُلحقت بالإدارة الأردنية، وقطاع غزة الذي بات في ظلّ السيادة المصرية.
في الرابع من حزيران 1967 كانت النكسة التي أحدثت تحوّلا جذرياً في المطالب العربية، تجاوزت الاعتراف بقرار التقسيم، وباتت تعترف بالواقع الذي فرضته نكبة 48. فتركّزت غالبية المطالب العربية الرسمية على العودة إلى خطوط ما قبل النكسة، التي احتلت خلالها إسرائيل كامل الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس، إضافة إلى الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء.
التحوّل العربي كان لا بد أن ينعكس على المطلب السياسي الفلسطيني الذي خاض المفاوضات مع إسرائيل على أساس القرار الدولي 242 الخاص فلسطينياً بالضفة والقطاع والقدس الشرقية المحتلة.
وحتى هذه الأراضي، لم تعد مضمونة اليوم في المسار التفاوضي الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، الذي بات قائماً على نظرية تبادل أراضٍ تضمن مساحة الضفة الغربية، لا أراضيها. غير أن الوصول إلى هذه النقطة في المفاوضات دونها مشقات، ولا سيما أن خطوط جديدة نشأت على الأرض الفلسطينية، وتحتل اليوم صدارة الاهتمام.
فالحديث اليوم، وفق المرحلة الأولى من خطة «خريطة الطريق»، المعتمدة أساساً في المفاوضات التي أقرها مؤتمر أنابوليس للسلام، هو عن حدود 28 أيلول عام 2000، أي تاريخ اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، التي استباحت بعدها إسرائيل أراضي الضفة الغربية التي كانت خاضعة للسلطة الفلسطينية، وفق اتفاقات أوسلو.
والحديث تحديداً هو عن المناطق المصنّفة «أ» و«ب» وفق اتفاق أوسلو، والتي تمثّل نحو 40 في المئة من الضفة الغربية، وتشمل مراكز المدن الرئيسية في الضفة ما عدا الخليل، إضافة إلى مناطق القرى والريف.
مسار من التواريخ والتراجع، دخل عليه الرابع عشر من حزيران 2007، ليعلن عن واقع فلسطيني جديد فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، إلا أن أي قرار دولي لم يلحظه بعد.