باريس ــ بسّام الطيارة
أين سيغولين رويال؟ هل كانت ضربة الخسارة في الانتخابات الرئاسيّة الماضية قاضية على طموحاتها بالعمل في الحقل العام فاختفت آثارها من الواجهة الإعلاميّة الفرنسية؟ مرّ أسبوعان من الأزمات الاجتماعية والإضرابات والتظاهرات، وبالكاد تناهى صوت «حوريّة السياسة الفرنسية».
أسئلة كثيرة طرحتها وسائل الإعلام في محاولة لاستصدار تعقيبات من محيط رويال، تضيء طريق محاولة فهم ما تفعله «المرشّحة الاشتراكية». إلا أن الانتظار لن يطول كثيراً، فغداً يصدر كتاب جديد لها، عنوانه موجّه إلى الفرنسيين: «أجمل قصّة عندي هي أنتم»، وكأنّه إجابة عن مجمل هذه التساؤلات التي عبقت بمؤيّديها وبالمواطنين منذ «خسارتها».
ويقول مقرّبون من رويال إنّها، رغم ابتعادها عن الأضواء الإعلامية، عملت وتعمل كثيراً وتحضّر نفسها لمعركة عام ٢٠١٢ الرئاسية. لكن يبدو أنّها غيّرت استراتيجيّتها «وتريد الانطلاق من الصفر». ويشيرون إلى أنّها لن تبقى بعيدة جداً عن الأضواء وأن كتابها الجديد، الذي وضعت فيه تصورها للمستقبل، ما هو إلا بداية عودتها لـ«الاحتكاك بالشعب».
فهي وضّبت حياتها الخاصّة بابتعادها عن «رفيق حياتها ووالد أولادها»، سكرتير عام «الحزب الاشتراكي»، فرانسوا هولاند. كما أنها لا تحضر اجتماعات المكتب السياسي للحزب، رغم إلحاح مؤيّديها ودعوتهم لها إلى «وضع يدها على الحزب»، والعمل على تنظيفه من «الفيلة» (السياسيّين القدامى).
وبحسب معلومات موثوقة، فإنّ رويال تسعى مع عدد محدود من المقرّبين منها لبناء «حزب جديد يحتلّ موقع الوسط» الذي هجره «الحزب الديغولي»، والذي يعجز زعيم «الحركة الديمواقراطيّة»، فرانسوا بايرو، عن التمركز فيه بجديّة. ويفسّر هذا سعي رويال لبناء شبكة علاقات قويّة في مختلف شرائح المجتمع المدني بصمت، بعيداً عن الضوضاء الإعلامية. وقد اتخذت لهذا الهدف مكاتب جديدة في وسط العاصمة بعيداً عن مركز «الاشتراكي»، تعمل فيها إلى جانب فريق محدود يقول أحد العاملين فيه إنّ «سيغولين رويال تعمل بناءً على استراتيجية طويلة الأمد لا تظهر مفاعيلها قبل عام ٢٠١٢».
كما أن رويال تسعى إلى تلميع صورتها في الخارج لكسب موقع على الساحة الدوليّة. فلا يكاد يمرّ أسبوع إلّا وتشارك في محافل دوليّة. فهي دائماً مدعوّة لمختلف نشاطات «الاشتراكي» الإيطالي أو «الإسباني»، كما أنها كانت الأجنبيّة الوحيدة التي صعدت إلى منصّة الاحتفال بانتصار كريستينا كيرشنر، في معركة الرئاسة الأرجنتينيّة. وتزور بانتظام «صديقتها» رئيسة التشيلي، ميشيل باشليه.
ويعترف محيطها بأنّها «تغرف أفكاراً لمشروعها الذي تنوي تقديمه لفرنسا»، ويفسّرون بأنّ طروحاتها في الحملة الماضية لم يتقبّلها الناخب لأنّها «مزجت بين الليبراليّة والاشتراكية» إلّا أنّهم يشيرون إلى «تجربة البلاد الاسكندينافية» التي نجحت في «أنسنة الاشتراكية وإبقائها في إطار ليبرالي مع تطعيمها بالكثير من الاهتمامات البيئية».
ويعكف المراقبون على تمحيص التحضيرات التي بدأت لمؤتمر «الاشتراكي» العام المقبل، والذي من المنتظر أن يشهد نهاية عهد هولاند. إذ إنّه بغياب غريمها الأوّل، دومينيك شتروس ــ خان (انتُخب رئيساً لصندوق النقد الدولي)، وضعف منافسها الثاني، لوران فابيوس، وإعلان هولاند عدم ترشّحه، يتساءلون عن استراتيجية بناء حزب جديد، في حين يبدو الحزب التقليدي مشرّع الأبواب لاستقبالها وتنصيبها كزعيمة للمعارضة.
ليس مؤكّداً أنّ الإجابات عن كمّ الأسئلة هذه موجودة في كتاب رويال الجديد، إلّا أنه سيكسر بالتأكيد أرقام مبيعات الكتب السياسيّة وهو يأتي بعد غياب مشوّق لمن سحرت ١٧ مليون ناخب قبل أن تختفي من الصورة.