في المبدأ، لا اتفاق نووياً إيرانياً في هذا الشهر. خلاصة ليست عشوائية، بل مبنية على قوانين اللعبة التي حكمت العلاقات الأميركية الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية.واشنطن اكتشفت في السنوات الأخيرة أنها قادرة على التكيّف حتى مع قنبلة نووية إيرانية، على غرار ما فعلت مع باكستان والهند (هي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديداً استراتيجياً، فيما إسرائيل تراه تهديداً وجودياً).

وهو واقع جرى التعبير عنه في أكثر من مناسبة، سواء ما ورد في التقدير الاستخباري الأميركي لعام ٢٠٠٨ الذي وجد إيران دولة عقلانية تبني سلوكها على قواعد الربح والخسارة (كانت في التقديرات السابقة عبارة عن مجموعة ملالي مجانين لا يمكن التنبّؤ بتصرفاتهم)، أو ما ورد من مقالات ودراسات كثيرة، أبرزها لهنري كيسنجر وزبغنيو بريجنكسي اللذين دعوَا في أكثر من مناسبة الى التعايش مع إيران نووية. المشكلة لدى الولايات المتحدة كانت، ولا تزال، في «سلوك» إيران ونفوذها الإقليمي. حاولت في زمن جورج بوش اعتماد مقاربة «تغيير النظام» بالقوة الصلبة، او ما عرف وقتها بنظرية «الدومينو» التي بدأ تطبيقها في العراق، وكان يؤمل أن تمتد إلى سوريا فإيران. ثم حاولت بالقوة الناعمة التي بلغت ذروتها في الولاية الأولى لباراك أوباما، في ما عرف وقتها بـ«الثورة الخضراء» لعام ٢٠٠٩.
شريعتمداري: أصبح التوصل
إلى اتفاق نووي مع أميركا والغرب مسألة مستحيلة

كانت واشنطن قد اقتنعت بنتائج العدوان على لبنان في تموز عام 2006، وبأن فشل تقليم أظافر الجمهورية الإسلامية يقود الى نتيجة أن القوة العسكرية خيار خاسر في مواجهة قدرة الردع المقابلة (إيران ومحور المقاومة). هذا ما دفع ادارة أوباما الى رفع شعار «القوة الناعمة» في محاولاتها تغيير سلوك طهران وتقليص مساحة نفوذها. الرافعة الوحيدة التي امتلكتها لتحقيق غاياتها كانت العقوبات، وأقساها تلك التي فرضتها واشنطن في الاول من كانون الثاني ٢٠١٣. بموجبها، تم منع تحويل الأموال من إيران وإليها، وفرضت عقوبات على كل من يشتري النفط الإيراني وعلى أصحاب الناقلات التي تنقله وشركات التأمين التي تؤمن الشحنة والمصفاة التي تصفيه وشركة التأمين التي تؤمن تلك المصفاة وعلى المصارف التي تستقبل ودائع إيرانية وشركات تحويل الأموال.
تكتيكياً، اعتمدت إدارة أوباما الأسلوب الآتي: التفاوض مع إيران على البرنامج النووي لتهدئة مخاوف الصقور داخلياً (الجمهوريين) وخارجياً (إسرائيل ودول الخليج وفي مقدمها السعودية)، مع ربط رفع العقوبات بالتفاوض على خطوط حمر على إيران ألا تتجاوزها، تحقق من خلالها واشنطن أهدافها في حصر نفوذ إيران في مساحة ضيقة تطمئن إليه دول الخليج (شكل العراق عقدة أساسية في هذا الملف) وتنتهي من خلالها من دعم الجمهورية الإسلامية فصائل المقاومة بما يحفظ أمن إسرائيل. بل أكثر من ذلك، راهنت إدارة اوباما، ومعها طيف واسع من المؤسسات البحثية ودوائر التقدير، على أن اتفاقاً مع إيران سينقل كرة اللهب الى الداخل الإيراني، ويعزز فريق «المعتدلين» على حساب «الفريق المتشدد» الذي يؤدي الدور الأكبر في معركة مواجهة الكيان الصهيوني.
من جهة إيران، كانت الحسابات، ولا تزال، تقوم على قاعدة ان البرنامج النووي السلمي «حق مطلق» غير قابل للتنازل عنه (دورة نووية كاملة أفلحت في أن تجعلها إيرانية مئة في المئة، فضلاً عن الدفع بالبرنامج النووي الى حدود لا تحتاج إليها أصلاً ــ تخصيب ٢٠ في المئة على سبيل المثال ــ للضغط على الطرف الآخر من جهة ولتحفظ الحد الأدنى على طاولة التفاوض من جهة أخرى). على أن العقوبات الأميركية والأوروبية والدولية غدت مرهقة جداً للشعب الإيراني، ويجب العمل على رفعها. لكن ليس بأي ثمن، وضع سقفه عملياً المرشد الأعلى علي خامنئي. وبما أن هذه العقوبات فرضت بذريعة أساسية البرنامج النووي (هناك ثلاثة ملفات أخرى مرتبطة فيها هي «الإرهاب» والبرنامج الصاروخي وحقوق الإنسان)، فإن رفعها يكون بمفاوضات محصورة بهذا الملف (النووي) لا تمتد إلى الجانب الإقليمي حيث ترى إيران أنها حصلت، أو تكاد، على كل ما تريد من دون منّة من أحد. وعليه، فإن الغرب لا يستطيع أن يعطيها شيئاً تمتلكه أصلاً، ولا هو قادر، رغم محاولاته المستميتة، على أن ينتزع منها شيئاً من دون رضاها.
احتواء النفوذ الإيراني
بحلف سعودي تركي مصري يمتد إلى باكستان!

ماذا عن الحسابات الداخلية للطرفين؟
في واشنطن، تراهن إدارة أوباما على أن اتفاقاً نووياً يعطيها براءة ذمة في قدرتها على إدارة الملفات الدولية، بما يساعد الحزب الديموقراطي في الفوز في انتخابات الرئاسة في ٢٠١٦، بعدما خسر انتخابات الكونغرس قبل أشهر. ويزيد من أهمية هذا الملف إخفاق هذه الإدارة في الوصول الى نتيجة في الملف الفلسطيني الذي أولته أولوية قصوى في الولاية الأولى.
وفي طهران أيضاً، هناك إدارة الرئيس الشيخ حسن روحاني التي بنت كل مشروعها السياسي على وعود بتحسين الوضع المعيشي في إيران، مشترطة لتحقيقها تفويضاً في العمل على رفع العقوبات (وهو ما حصلت عليه). وهي طبعاً بحاجة إلى إنجاز على هذا الصعيد الذي سيؤدي أي فشل فيه، بلا شك، إلى خسارتها الانتخابات البرلمانية في العام المقبل، والرئاسية في العام الذي يليه.
ما حصل خلال الأشهر الـ١٢ السابقة من المفاوضات كان عبارة عن محادثات تقنية سعت من خلالها إيران إلى تقديم كل ما يلزم من أجل طمأنة الغرب إلى أنها لا تعتزم صناعة قنبلة نووية، ومن بينها قيود على البرنامج النووي، ورقابة تعطي الغرب إنذاراً يتيح اللجوء الى خيارات غير المحادثات.
على هذا المستوى، حقق الطرفان الكثير من التقدم، وقدمت إيران «تنازلات» أقرّ بها المرشد في خطاب علني: وقف العمل على تطوير أجهزة التخصيب. وقف إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المئة. وقف العمل بمفاعل «آراك» وبمنشأة «فوردو» في قم.
صحيح أنه لا تزال هناك بعض المشاكل في الاتفاق التقني وفي الحد الأقصى الذي وافق عليه الأميركيون، لكن العقدة تتمثل في محاولة واشنطن الربط بين الحل النووي والترتيبات الإقليمية. غير أنها لعبة مزدوجة، فايران تشترط اتفاقاً كاملاً ناجزاً بكل تفاصيله يربط التوقيع عليه برفع كامل للعقوبات؛ بينما تشترط أميركا لرفع العقوبات، عقد اتفاق على ترتيبات إقليمية ترفض طهران أصل البحث فيها، علماً بأن في إيران من يرى أن ما يطرحه الأميركيون على الطاولة النووية لا يزال دون السقوف. من هؤلاء، حسين شريعتمداري، ممثل المرشد في صحيفة «كيهان» القريبة من مناخه. يقول، قي مقاله الأخير، «أصبح التوصل إلى اتفاق نووي مع أميركا والغرب مسألة مستحيلة، ومن يعمل على ذلك واهم»، مضيفاً إن «مسودة الاتفاق النووي التي تقدمها أميركا إلى إيران تمس سيادتنا الوطنية وتمنعنا من حق التخصيب».
المشكلة التي يعانيها المفاوضون أن هناك مهلة نهائية في ٢٤ آذار الجاري، وإن أيّاً من الطرفين لا يتحمل، داخلياً، إعلان الفشل. والإخراج الذي تم عند انتهاء المهلة الأولى قبل ستة أشهر لا يمكن تكراره (تمديد المفاوضات ستة أشهر مقابل بوادر حسن نيات من الطرفين)، فما عجزت الأطراف عن تحقيقه خلال عام من المفاوضات، لن تنجح في فعله خلال شهرين أو ثلاثة أو حتى ستة مقبلة.
هذا كان من حيث المبدأ. أما من حيث الاستثناء، فإن اتفاقاً نووياً لا يزال وارداً. ما يرشح عن محادثات في مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي تحت الفصل السابع برفع العقوبات يشي بأن سيناريو كهذا أمر واقعي. (وللمناسبة، رسالة الشيوخ الجمهوريين عززت في الدفع في هذا الاتجاه، لكنه في الأصل مطلب إيراني ــ أن يصدر أي اتفاق نووي بقرار دولي ملزم ــ منذ بداية المحادثات).
في حال تحقق هذا الاتفاق، على قاعدة رفع العقوبات مقابل تسوية نووية فقط، فهو يعكس تحولاً دراماتيكياً في المقاربة الأميركية. تغيير في الاستراتيجيا وليس في التكتيك. بل تغيير في أهداف السياسة الأميركية في المنطقة، والتراجع من مستوى تغيير سلوك إيران وتقليص مساحة نفوذها، الى العمل على احتوائه. الى مرحلة التسليم بنفوذ إيراني ومحاولة رسم إطار له. ويقصد به عملياً، الإطار الجغرافي للنفوذ العسكري الإيراني، أي تماماً حيث وطأت قدما الجنرال قاسم سليماني.
هذا الاحتواء يقتضي، كما تفترض النظريات والتجارب التاريخية، بناء طوق صلب حول إيران. من هنا يمكن فهم تلك المحاولات لبناء تحالف سعودي ــ تركي ــ مصري، مع امتدادات باكستانية، لمحاصرة الجمهورية الإسلامية من الجهات الأربع بمحيط متجانس مذهبياً، وذلك في حال تطويع تنظيم «الإخوان المسلمين» في إطار قريب من حزب «العدالة والتنمية» التركي، ما يجعله بهويات وطنية .
في ظل هذا الوضع، تصبح «التنازلات النووية» الإيرانية أمراً تفصيلياً غير ذي صلة (ما دامت تؤمن الحد الأدنى من حاجات إيران النووية)، ذلك أن الجمهورية الإسلامية تكون قد نجحت، بعد ٣٦ عاماً من الصراع والحروب المتواصلة ضدها بأشكال متعددة، في الحفاظ على نظامها الإسلامي، وعلى نهجها الدولي في حماية الفلسطينيين ودعم حركات المقاومة. وفي تثبيت المحور الذي بنته، والممتد من طهران إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت وصولاً إلى صنعاء.




رفسنجاني: حكومة نجاد عرقلت تحسين العلاقات مع السعودية

اتهم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعرقلة مساعٍ لتحسين العلاقات مع السعودية، في وقت أفادت فيه وسائل إعلام إيرانية بأنه حكم على ابن رفسنجاني، مهدي هاشمي، بالسجن 15 عاماً بعد إدانته بوقائع مرتبطة بالأمن وجرائم اقتصادية.
وفي مقابلة مع صحيفة «آفتاب يزد» (معروفة بتوجهها الإصلاحي)، قال رفسنجاني: «أعددت برنامجاً من أجل إقامة علاقات مع السعودية، كما وقّعنا بعض الاتفاقيات، ولكن الحكومة السابقة أجهضت تلك الاتفاقيات، وأعاقت لقاءاتنا مع الملك السعودي الراحل والدائرة المقربة منه، حيث كان يمكن إنشاء مجلس مكوّن من علماء البلدين ومناقشة الخلاف السنّي الشيعي، ومنع إهانة وتحقير العناصر التي يحترمها ويقدّرها الطرفان». من جهة أخرى، أكد رفسنجاني ضرورة تمهيد الطريق أمام الرئيس، حسن روحاني، من أجل الإيفاء بوعوده التي قطعها للشعب قبل الانتخابات. كذلك أكد أنه يدعم الوعود التي أطلقها روحاني، موضحاً أن ضغوطاً تمارس على الشعب بسبب المشاكل في السياسة الخارجية، وأن مهمة الرئيس ستصبح أسهل في حال إجراء الاتفاقيات في السياسة الخارجية.
(أ ف ب، الأناضول)