مع فشل الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في نيل الـ«نعم» الشعبيّة لإمرار إصلاحاته الدستوريّة المثيرة للجدل، فنّدت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، الأسباب التي تجعل لثورات القرن الـ21 حدوداً.ــــ «التجارة تطغى على السياسة»، هو المبدأ الذي يلغي مفاعيل نعت تشافيز لنظيره الأميركي جورج بوش بأنّه «الشيطان»؛ فقد ازدهرت العلاقات التجاريّة بين الولايات المتحدة وفنزويلا ليقارب حجم التبادل التجاري بينهما الـ47 مليار دولار، بحسب الصحيفة التي تشير إلى أن تشافيز يهاجم الجيران الشماليّين، إلّا أنّه لا ينفكّ يستورد سيّاراتهم وثيابهم «لتحقيق اشتراكيّة القرن الـ21».
ـــــ «العولمة تولّد القوميّة»؛ العولمة الماليّة والثورة التكنولوجيّة تجرّد السياسيّين من القوّة، فيعوّضون بالتشديد على «الهويّة الوطنيّة». وتشير الصحيفة هنا إلى خطاب تشافيز خلال الترويج لـ«إصلاحاته»، موضحة أنه خلا من الأفكار المرتبطة بكيفيّة تحويل فنزويلا إلى دولة مرتبطة دستورياً بالاشتراكيّة، وركّز فقط على مواضيع: «الإمبراطوريّة الأميركيّة هي عدوّنا الحقيقي»، ومحاربة الاستعمار، و«المجد البوليفاري»، وتهديدات مزعومة من وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة «سي آي إيه» وشبكة التلفزيون الأميركيّة «سي أن أن».
ـــــ «النفط يركّز القوّة». وهي الحقيقة التي جعلت الصحيفة تتساءل كيف يمكن زعيماً يحكم مجتمعاً مغلقاً، يحقّق 100 مليون دولار في اليوم من العائدات النفطيّة، ألّا يفكّر في البقاء في الحكم حتى عام 2050. ومن هنا، تعمّم الإسقاط على تجارب بلدان نفطيّة كروسيا وأنغولا.
ـــــ «الشبكات المضادّة لأميركا لن تنتهي». تشير الصحيفة إلى العلاقات التي يشبكها تشافيز حول العالم بفضل دولاراته النفطيّة، بغضّ النظر عن أنّ مدّة نقل النفط إلى الصين هي 3 أسابيع، بينما نقلها إلى الولايات المتّحدة يستلزم 3 أيّام. وتوضح أنّ الزعيم اليساري يحصل على السلاح من روسيا ومن الصين «كلّ ما يستطيع الحصول عليه»، وأنّ هذا النمط من التعاطي سيستمر حتى بعد انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش.
ـــــ «الإيديولوجيا تقدّم بحسب الأهواء»، وبالتالي فلا مانع من التشديد على أنّ الاشتراكيّة الفنزويليّة مستوحاة من التجربة الكوبيّة، في الوقت نفسه الذي يتحدّث فيه تشافيز عن أنّ المسيح هو الثائر الأوّل، ويروّج لـ«اشتراكيّة كاثوليكيّة»، تفترض الصحيفة أنّ أهدافها، مثل «الديموقراطيّة اللينينيّة» في روسيا «والشيوعيّة الرأسماليّة» في الصين، تختصر بمسألة واحدة: المهمّ هو الحفاظ على السلطة.
ـــــ «اختبار الديموقراطيّة». على الرغم من إقرار تشافيز بهزيمته في الاستفتاء على إصلاحاته، إلّا أنّ المزيد يجب أن يبذل لجعل «الديموقراطيّة الاشتراكيّة» أكثر ارتباطاً بـ«الشفافيّة»، تماماً كما الحال مع «الديموقراطيّة السياديّة» في روسيا. وتلفت الصحيفة في هذا السياق إلى الخروق التي رافقت عمليّة الاستفتاء على الإصلاحات الدستوريّة، وبينها إمكان الحصول على شهادات ولادة وهويّات فنزويليّة في مقابل بضعة مئات من الدولارات.
ـــــ «اليوتوبيا لا تزال حيّة»؛ فالعقود المليئة بالحرمان التي ظلمت الفقير الفنزويلي، أمّنت الأساس المتين لـ«ثورة» تشافيز، الذي وعد بالتعاونيّات الاشتراكية وإصلاح أنظمة الرعاية الصحيّة وأنظمة التعليم، وكلّ ذلك تحت سيطرة «قوّة الشعب» (وتمّ تحقيق نجاحات ملحوظة). إلّا أنّ «القائد»، بحسب الصحيفة، حاول توسيع النظام لمجده الخاص، من خلال إفادة الرأسماليّين من نظام وهمي للسيطرة على الأسعار ومعدّلات الصرف في ظلّ تدفّقات الإعانات الماليّة، التي لا تصل إلى الفقير. والعطش لـ«يوتوبيا» يبدو أنه لم يتأثر بالكوارث التي شهدها القرن الماضي، كذلك فالشهيّة لأيقونة «مضادّة لبوش» تبدو ملحّة لدرجة أنّ هناك صدى ملحوظاً للإعداد والترويج لـ«تشافيز مثل تشي غيفارا».
ـــــ «التلفزيون يسيطر على كلّ شيء». تختم الصحيفة بالإشارة إلى أنّ على المقدّمين للحصول على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتّحدة في السفارة الأميركيّة في كاراكاس، الانتظار حتّى نيسان المقبل للحصول على موعد (بسبب الزحمة)، في الوقت الذي تملأ فيه السلع الأميركيّة المجمّعات التجاريّة الفنزويليّة. فللمستهلكين خيارات متزايدة، بينما تقلّ تلك الخيارت بالنسبة إلى السياسيّين. ومن المستبعد أن يعيد تشافيز الزمن إلى الوراء بدرجة كافية لتغيير كلّ ذلك، بينما حانات كاراكاس مليئة بمشاهدي مباريات كرة السلّة الأميركيّة واللعبة العزيزة عليهم: كرة القاعدة.
(الأخبار)