معمر عطوي
لم يعد الحديث عن تطمينات متبادلة بين إيران ودول الخليج العربي الست، مغرياً، على الأقل من الناحية الإعلامية، بعدما تحوَّل حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القمة الخليجية في الدوحة، إلى حدث بعينه، حمل بحد ذاته العديد من الدلالات.
فقد تجاوز الرئيس الإيراني قضية بث تطمينات إلى الجانب الخليجي على غرار المعزوفة المكررَّة عن أن «البرنامج النووي سلمي»، وأن «التهديدات العسكرية لا تستهدف الضفة العربية من الخليج الفارسي»، ليؤدي دور المسؤول الذي يحمل همّ «الأمة» الإسلامية ويسعى إلى لمّ شملها وإبعادها عن التدخل الأجنبي، متجاوزاً مسألة «نحن» و«هم»، في جملة مقترحاته التي تتحدث عن تعاون «الدول السبع» بدلاً من «الدول الست». بيد أنه في الوقت نفسه جهد ضمناً لإفهام القادة الخليجيين أن هناك قضيتين خارج النقاش معهم، وهما البرنامج النووي الإيراني ونفوذ بلاده في العراق.
وكان واضحاً أن الرئيس الإيراني تجنّب الخوض في الملفات الخلافية، وأبرزها مشكلة الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) المتنازع عليها مع الإمارات. كما تجنّب إثارة العديد من الملفات الإقليمية المثيرة للجدل وبينها الحشود العسكرية الأميركية في الخليج.
ولعل أبرز الإشارات التي حملها نجاد إلى الحضور كان دخوله المفاجئ ممسكاً بيد الملك السعودي عبد الله، الذي شهدت العلاقات بين بلاده وإيران توترات منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979. ودلالة هذه «الحميمية» بين الزعيمين تكمن في ما يمكن أن تتركه من انطباع إيجابي على العالم الإسلامي برمّته، حيث تؤدي السعودية دور المرجعية بالنسبة إلى الكثير من أتباع المذهب السنّي، فيما تؤدي إيران الدور نفسه بالنسبة إلى الشيعة.
ربما أراد الرئيس الإيراني من خلال حضوره، الذي جاء بناءً على طلبه، تذكير الدول الخليجية بالأهمية الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية لإيران، وما يمكن أن تقدمّه هذه الدولة «الثورية» لجاراتها «الليبرالية» من فوائد، بدلاً من التهديد والوعيد.
لهذا كان تركيزه على مسألة التكامل في العديد من المجالات، ولا سيما الأمنية، مُستخدماً تعبير «مجلس تعاون أمني»، على اعتبار أن «أمن دول المنطقة متشابك». وحين يقدم نجاد اقتراحاً أمنياً بهذه الصورة، تصبح مسألة «التطمين النووي» تفصيلاً لا فائدة منه. لقد حملت السلّة الإيرانية 12 مقترحاً، تدل في معظمها على نيّة إيرانية بالانتقال من مرحلة «إبداء حسن النيات» في العلاقة مع دول الخليج الست، إلى مرحلة تأسيس مجلس «لدول الخليج السبع» بضفتيها الإيرانية والعربية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه على قادة هذه الدول، التي «تستضيف» على أراضيها قواعد عسكرية أميركية كبرى، كيف يمكن أن يتحّول كل ما قدّمه نجاد من «مغريات» الغاز والماء و«السياحة النزيهة» إلى فكرة يُمكن البناء عليها في ظل المفاضلة بين تعزيز العلاقات مع «دولة مارقة» أو «شيطان أكبر»؟