بغداد ـ زيد الزبيدي
هل تتحوّل محافظة التأميم إلى إقليم مستقلّ مع تراجع الدعم لـ«الاستفتاء»؟

كان جميع العارفين في أحوال العراق يدركون أنّ كركوك، مدينةً ومحافظةً، وضعها لن يهدأ قريباً في ظلّ تأخّر إبرام الاتفاقات السياسية بين العرب والأكراد والتركمان، كما الإجراءات اللوجستية والسياسية والإدارية المطلوبة لإجراء الاستفتاء حول مصيرها بحسب المادّة 140 من الدستور.
ورغم أنّ الأكراد لا يزالون أشدّ المنادين بضرورة إجراء الاستفتاء في موعده المقرَّر سابقاً في نهاية العام الجاري، إلا أنهم ارتضوا أخيراً تقاسم السلطات مؤقّتاً مع العرب والتركمان، واضطرّوا للقبول قسراً بتأجيل الاستفتاء، في ظلّ رغبة أميركية وعراقية عربيّة واسعة بالسير في التأجيل.
وقد جاء الاتفاقان (على تقاسم السلطة في مجلس كركوك وتأجيل الاستفتاء) بالتزامن مع شبه إجماع عربي وتركماني على جعل كركوك إقليماً مستقلّاً بعكس ما تقتضيه المادة 140 التي تحصر الخيار بين إلحاق كركوك بإقليم كردستان أو عدمه. ويُعَدّ هذا المطلب عودة إلى قوانين الحاكم الأميركي السابق بول بريمر القاضية بجعل كل من بغداد وكركوك إقليمين مستقلّين.
وعندما تشكّل التكتّل الرباعي من حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي والحزبين الكرديّين، أراد الأكراد حشد أكبر قوّة ممكنة لدعم فدرالية العراق، وبالأخصّ ضمّ كركوك إلى إقليمهم، والاستفادة من دعم حكومة نوري المالكي التي باتت تستند إلى المجلس الأعلى الإسلامي، كبديل عن التيار الصدري المعارض لفكرة الفدرالية بشكل عام.
لكن حتّى المجلس الأعلى وحزب الدعوة ـــــ جناح المالكي، لم يستطيعا «المغامرة» بشعبيتهما ودعم هذا المطلب الكردي. ولا ينحصر الموضوع في شأن كركوك، بل ظهر أخيراً في الاتفاقات النفطية التي عقدتها حكومة أربيل مع شركات عالميّة. وعادت الأصوات لترتفع من داخل «الائتلاف العراقي الموحّد» ضدّ ضمّ كركوك إلى كردستان.
واقتصر التذمّر الكردي من عدم تطبيق المادة 140 من الدستور على الجزء الخاص بكركوك فقط، إذ إنّ جزءاً من هذه المادّة يتعلّق بإعادة ترسيم الحدود بين محافظتي الأنبار وكربلاء، بما يتيح ضمّ منطقة عرعر الحدودية مع السعوديّة إلى محافظة كربلاء.
غير أنّ الجانب الكردي وجد أنه سيكون منعزلاً في الساحة العراقيّة إذا ما أصرّ على الموعد المحدَّد في نهاية العام الجاري لتنظيم الاستفتاء. كما وجد الأميركيّون أنّ السير قريباً بالاستفتاء من شأنه تفجير الأوضاع بين العرب والأكراد والتركمان بما أنه لا اتفاق يظهر في الأفق على مصير المدينة النفطيّة.
على هذا الأساس، جاء الإعلان عن تأجيل الاستفتاء من الطرف الأميركي، لا من اللجنة الحكومية المشكَّلة لهذا الغرض، وذلك استناداً إلى رأي بعثة الأمم المتحدة، التي طلبت وقتاً مناسباً «غير الوقت المحدَّد»، لغرض التهيئة للإحصاء السكاني ودراسة ملفّات التغيير الديموغرافي قبل التاسع من نيسان 2003، وترسيم الحدود الإدارية، لتهيئة الاستفتاء العام على وضع المدينة.
وإزاء انحسار التعاطف مع الأحزاب الكرديّة، داخلياً وخارجياً، أدرك الحزبان الكرديّان أنه لن يكون مقبولاً ولا ممكناً أن تُدار محافظة التأميم، ومدينة كركوك خاصة، من الطرف الكردي وحده. ذلك لأنّ هذا الطرف لن يستطيع، حتّى مع دعم الاحتلال، أن يعيد الاستقرار إلى كركوك، ولو جزئياً. إضافة إلى أنّ بين الأطراف الكردية خلافات كبيرة ستنفجر إذا ما انفردوا في حكم هذه المنطقة. لهذه الأسباب، لم يكن أمام الاحتلال الأميركي سوى إطلاق مبادرة، تقترب من التقرير الذي قدّمه رئيس لجنة المادّة 140 رائد فهمي إلى البرلمان، تدعو إلى تحديد مصير كركوك بالاعتماد على وثائق إحصاء عام 1957، لمعرفة تركيبة السكّان الحقيقيّين للمدينة.
ويظهر الإحصاء المشار إليه أنّ نسبة العرب في كركوك كانت تبلغ 22.53 في المئة، وفي المحافظة 28.19 المئة. ونسبة الأكراد في المدينة 33.26 في المئة، وفي المحافظة 48.24 في المئة. أما نسبة التركمان في المدينة فكانت تبلغ 37.62 في المئة، وفي المحافظة 21.44 في المئة. وعلى أساس الاعتماد الأوّلي لإحصاء 1957، رعت الولايات المتحدة التقسيم الأوّلي للمسؤوليات في كركوك، بما يضمن عدم هيمنة العنصر الكردي، من خلال توزيع الوظائف (بما فيها الأمنية) بنسبة 32 في المئة لكلّ من العرب والأكراد والتركمان، وتمنح الـ4 في المئة الباقية للمكوّنات الأخرى، الكلدو أشوريين.
وعليه، أعلنت الكتلة العربية، «التجمع الجمهوري العراقي»، العودة إلى مجلس كركوك بعد انسحابها منه قبل 10 أشهر، وذلك إثر اجتماع مشترك بين ممثّلين عن قائمتي «التجمّع» و«كركوك المتآخية»، بحضور رئيس فريق الإعمار الأميركي في محافظة التأميم هاوارد كيغان.
وفي السياق، قال رئيس المجلس رزكار علي، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع راكان الجبوري عن القائمة العربية، إنّ الاتفاق تمّ على إنهاء موضوع المعتقلين، وتشكيل مجلس قضاء كركوك من 21 عضواً، ستة منهم من العرب وستة آخرون من الأكراد وستة من التركمان، إضافة إلى ثلاثة آخرين من الكلدو أشوريين والصابئة والأرمن.
وتبقى مسألة عودة التركمان إلى المجلس مسألة وقت، في انتظار تنفيذ بعض المطالب غير الجوهرية، وتتعلّق بإعادة تسمية المنشآت والمحال التي أُطلقت عليها أسماء كردية بدل تسمياتها التركمانية، وإعادة النظر في موضوع المستقدَمين إلى كركوك، وإطلاق سراح المعتقلين.
ومع هذه المستجدّات، تبقى قضيّة تحديد الانتماء المناطقي لكركوك؛ فبريمر أنشأ محاكم خاصة بالمدينة، كما أنّ من بين قوانينه ما يختصّ بالفدرالية التي اشترط فيها أن يتكون الإقليم من محافظة واحدة إلى ثلاث محافظات، على أن تكون كل من بغداد وكركوك إقليماً ذاتياً. وهذا التحديد تمّ تجاهله عند صياغة الدستور غير المكتمل حتى الآن.
العلم الأخضر الخاص بالسليمانية، مقرّ الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس جلال الطالباني، لا يزال ممنوعاً في أربيل، وعلم أربيل البرتقالي لا يزال ممنوعاً في السليمانية، والعلم العراقي لا يزال ممنوعاًَ في أربيل والسليمانية، فأيّ علم سترفعه كركوك؟