الجزائر ــ حياة خالد
أكّد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال مأدبة غداء أقامها على شرف نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي ينهي اليوم زيارة للجزائر بجولة في مدينة قسنطينة المعروفة قديماً بالكثافة السكّانيّة اليهوديّة، أنّ بلاده مستعدّة للإسهام في مشروع الاتحاد المتوسّطي، الذي يطرحه سيّد الإليزيه، شرط أن تتوضّح معالمه وأهدافه.
وقال بوتفليقة إنّه «لا جدوى من فضاء متوسّطي من دون إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة لها حدود واضحة ولا طائل من التفكير في فضاء متوسّطي ما لم تحلّ مشكلة الشرق الأوسط وما دام الشعب الفلسطيني يعاني الاحتلال والحصار».
ويأتي هذا الموقف رداً صريحاً على مشروع ساركوزي الذي يحمل بين طيّاته دمج كلّ الدول التي تطلّ على البحر الأبيض المتوسّط، وبينها إسرائيل، في خطوة ترفضها الجزائر ودول أخرى، وهو السبب الذي أدّى إلى فشل مشروع مسار برشلونة، الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي عام 1995.
كما دعا الرئيس الجزائري إلى «معالجة» المشاكل بين فرنسا والجزائر «بشجاعة وصراحة». وقال: «أنا متيقّن أنّ هذه الزيارة ستمكّننا من معالجة بصراحة وشجاعة المشاكل التي تطرأ على علاقاتنا، وأنّنا سنجد وسائل تسويتها، متحلّين بالانفتاح والإرادة المتبادلة على التفاهم والصداقة».
ولم يتطرق بوتفليقة إلى مطالبة الجزائر فرنسا «بالاعتذار» لما ارتُكب من جرائم خلال حقبة الاستعمار (1830 ـــــ 1962). وخاطب نظيره الفرنسي قائلاً: «سيّدي الرئيس وصديقي العزيز» مشدداً على «الصداقة والاحترام اللذين يكنّهما له».
وبعد تشديده على أنّ «لدى الجزائر وفرنسا قدرات هائلة من التكامل العلمي والتكنولوجي والاقتصادي»، قال بوتفليقة إنّ أمام البلدين «مسؤوليّة تشجيع وتحرير وترقية ومرافقة تلك المبادرات، بتسهيل المبادلات وتنقل الأشخاص والأفكار والثروات».
وأكّد بوتفليقة ضرورة توظيف الجالية الجزائرية في فرنسا «كهمزة وصل قويّة» بين البلدين، مشيراً إلى أنّ تلك الجالية «تعيش أحياناً مهمّشة وتعاني ربّما أكثر من غيرها انعدام التفاهم والأفكار المسبقة الثقافيّة والتمييز الديني».
في المقابل، لفت ساركوزي إلى أنّ الجزائر محور أساسي لإنجاح مشروع الاتحاد المتوسّطي، وأنّ بلاده مستعدّة لفتح صفحة جديدة مع هذا البلد «عنوانها الشراكة الاقتصادية والتعاون».
كما أعربت السلطات الجزائرية عن ارتياحها لتصريحات ساركوزي الذي اعترف فيها بأن صفحة فرنسا كانت سوداء في الفترة الفرنسيّة وأنّ الاستعمار كان جائراً، من دون أن يقدّم اعتذاراً رسميّاً بطبيعة الحال، مكتفياً بالدعوة إلى تفعيل التعاون الاقتصادي الذي تجسّد في التوقيع على اتفاقيات تعاون بقيمة 5 مليارات يورو، وذلك حسبما خُطِّط له قبل الزيارة. وأهمّ هذه الاتفاقات، اتفاق في مجال الاستعمال السلمي للطاقة النوويّة، وتمديد العقود لتزويد فرنسا بالغاز على المدى الطويل.
كذلك وُقعت اتفاقيّة في مجال السينما، نصت على وضع وكالة الأرشيف البصري الفرنسيّة كل صور الثورة الجزائريّة ما بين عامي 1940 و1962 في خدمة التلفزيون الجزائري، وهو ما أشادت به السلطات الجزائريّة، وخصوصاً أنّ الشارع الجزائري استهجن كثيراً عندما بثت «قناة فرنسا» التلفزيونية في شريط تاريخي صوراً عن الثورة الجزائرية لم يرها من قبل. فهل ستكتفي السلطات الجزائريّة بهذا وتغضّ الطرف عن طلب الاعتذار؟