معمر عطوي
يمكن وصف التقرير الاستخباري الأميركي الأخير عن إيران بأنه حمّال أوجه، رغم أنه يدحض تقريراً سابقاً صدر عن الجهة نفسها في عام 2005 عن «تصميم» طهران على تطوير أسلحة نووية.
الوجه الأول يتعلق بسحب الذرائع من صقور الإدارة الاميركية، وخصوصاً الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، لجهة ما أفاد به عن إيقاف إيران عام 2003 خططها لحيازة السلاح النووي.
أما الوجه الثاني، فمن شأنه إبقاء فرضية الحرب الاستباقية على بساط البحث لدى هؤلاء الصقور، لجهة إشارته إلى احتمال إيران إنتاج كمية من اليورانيوم المخصَّب تكفي لصنع سلاح نووي «بين عامي 2010 و2015». وإلى أن الاستخبارات لديها «احتمال ضئيل» و«ثقة بدرجة متوسطة» بأن أقرب موعد يمكن أن تصبح فيه إيران قادرة تقنياً على إنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصّب لإنتاج أسلحة هو عام 2009.
لكن الوجه الثالث يرسِّخ «رؤية وسطية» يدعمها دعاة سياسة العصا والجزرة (الحل الدبلوماسي والعقوبات المشددة)، وفي مقدمهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الخزانة هنري بولسون ووزير الدفاع روبرت غيتس، ومن ورائهم جنرالات الجيش.
بأي حال، يُعبِّر التقرير عن «تجربة وعبرة» استفادت منها المؤسسات الأمنية والعسكرية الأميركية، بعد فشلها في إثبات تقاريرها الكاذبة عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل في عام 2002 والتي أعطت الإدارة الأميركية وحلفاءها مسوّغاً «أخلاقياً»، لغزو العراق في عام 2003!
أما الحديث عن «ضغوط دولية» أجبرت طهران على وقف برنامجها كما جاء في التقرير، فلا يبدو دقيقاً، في ظل تمسك النظام الإسلامي بتخصيب اليورانيوم رغم تهديدات الغرب.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» أمس من أن توقيف إيران لبرنامجها النووي في عام 2003 تلازم مع زوال خطر نظام الرئيس صدام حسين.
ثمة أمر آخر أوردته الصحيفة الأميركية قد يكون أقرب إلى المنطق، يتحدث عن تبدّل في الرؤية النمطية التي كانت سائدة لدى الدوائر الأميركية عن «نظام الملالي المجانين»، وقناعة هذه الدوائر بأن حكام إيران «عقلانيون يملكون وعياً سياسياً وحنكة دبلوماسية».
مهما يكن، لقد أعاد تقرير الاستخبارات خلط الأوراق من جديد على الصعيد الأميركي الداخلي من خلال تعزيز الجبهة الرافضة للحرب، والمطالبة «بسياسة جديدة حيال إيران». أماّ على الصعيد الخارجي، فيؤكد التقرير صحة وجهتي نظر الصين وروسيا الرافضتين لتشديد العقوبات على طهران، بما ينزع فتيل «تفجير» قرار جديد بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي.