بغداد ــ زيد الزبيدي
«نحّفت» بطاقة التموين... تمهيداً لإلغائها


يبدو أن العراقيين، ولا سيما الفقراء منهم، سيترحمون على عهد صدام حسين الدكتاتوري، وهو الذي يُتَّهَم بأنّه كان السبب في تجويع الشعب العراقي جراء الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة عليه، والذي خفّفت من تأثيره إلى حدّ بعيد مبادرة «البطاقة التموينيّة».
بطاقة بدأ العمل بها بعد شهر آب 1990، واستمرّ حتّى الغزو. ويوم أمس، فُتحَت صفحة، ستكون سوداء من دون شكّ بالنسبة لفقراء البلاد، إذ أعلنت وزارة التجارة أنّ حصّة المواطن من مواد البطاقة الشهرية ستتقلّص إلى خمس مواد تموينية فقط، كذلك ستقلّل كمية الطحين لحصة الفرد من 9 كيلوغرامات إلى ستّة، والأرزّ من 3 كيلوغرامات إلى كيلوغرامين، وهي خطوات اتّخذت تمهيداً لإلغاء هذه البطاقة.
وقال وزير التجارة عبد الفلاح حسن السوداني إنّ وزارته «طلبت أكثر من سبعة مليارات دولار لضمان إيصال المواد العشر الموجودة في مفردات البطاقة، لكن الموافقة في الميزانية كانت لثلاثة مليارات، وهو ما يعني أنّ العمل سيكون بخمس مواد هي السكر والطحين والأرزّ وحليب الكبار والزيت».
ورأى متابعون اقتصاديون عراقيّون أنّ كلمة «الخجل» أُلغيَت من قواميس الساسة والاقتصاديّين في العراق، لأنّ إيرادات هذا البلد من العملة الصعبة في فترة الحصار لم تكن تزيد على 3 مليارات دولار، بينما يدور الحديث الآن عن ميزانية لا تقلّ عن ستين ملياراً! والمفارقة أنّه حين كانت الإيرادات قليلة جدّاً إبّان الحصار، كانت الحصص الغذائية التي تشملها البطاقة أكثر بما لا يُقاس ممّا تخطّط له الحكومة الحالية، التي تتباهى بأنها رفعت أرباحها بشكل كبير نتيجة عودة القطاع النفطي إلى العمل بشكل شبه طبيعي.
واتخذت حكومة نوري المالكي هذا الإجراء، رغم اعترافها (وهو ما ذكره الوزير نفسه أمس) بأنّ أكثر من 60 في المئة من المواطنين يعتمدون على المفردات التي تُوزَّع ضمن البطاقة التموينيّة، وأنّ قسماً كبيراً منهم يقوم ببيع بعض هذه المواد من أجل توفير مبالغ يكون لها تأثير في جوانب أخرى من الحياة. و«بشّر» السوداني هؤلاء العراقيين الذين يعتمدون على البطاقة التموينية بأنّ هذه البطاقة قد تُلغى قريباً.
ورغم ذلك، اعترف السوداني بأنّ «أي عملية تغيير في هرم البطاقة التموينية سيكون عبئاً ثقيلاً على كاهل العائلة العراقية وقد يكون لها تأثير سلبي على الأمن الغذائي عامة»، مشيراً إلى «أهمية التدرج في إيقاف هذه المواد».
لكنّ ما فات الوزير هو الإشارة إلى أنّ مخطّط إلغاء البطاقة هو جزء من مخطّط عام لإلغاء الدعم الذي كان يقدّمه النظام السابق للسلع الأساسية والوقود والكهرباء والخدمات عامة.
ويرى عدد من الاقتصاديّين العراقيّين أنّ هذه الخطوة هي أوّل غيث «إعلان المبادئ» الذي وُقّع أخيراً بين بغداد وواشنطن، والذي ينصّ في أحد بنوده على العمل الحثيث لإدخال العراق إلى المؤسّسات النقدية والماليّة العالمية، التي تقوم فلسفتها الاقتصادية على إلغاء كلّ أشكال الدعم عن السلع الأساسية، وعلى أولوية سير الحكومة العراقية في درب خصخصة ما يمكن من قطاعات عامّة.
ومن المعروف أنّ الحكومة العراقية تستعجل منذ فترة تقديم ملفّها للانتساب إلى نادي «منظّمة التجارة العالميّة» رغم أنّ هذا البلد لا يزال تحت الاحتلال وقطاعاته الانتاجية إمّا مُدمّرة أو تتنازعها الحكومتان المركزية والإقليمية في كردستان العراق، أو تشغّلها شركات أجنبيّة يغيب عنها أي دور رقابي مركزي حقيقي.