باريس ــ بسّام الطيارة
بعد لحظات من وقوع انفجار في أحد أبنية شارع مالزيرب، في الدائرة الثامنة في باريس، امتلأت الشوارع المحيطة برجال الأمن، وضجّت المدينة بصوت سيّارات الإسعاف والشرطة بشكل ذكّر الباريسيّين بالأيّام السوداء في منتصف الثمانينيات، حين هزّت سلسلة تفجيرات «إرهابيّة» العاصمة الفرنسية.
وقد انفجر الطرد في الطابق الرابع من بناء مكاتب، وأدّى إلى مقتل امرأة تعمل سكرتيرة في مكتب محاماة تلقّى الطرد صباحاً، كما جُرح عدد من الموظّفين، بينهم محام.
ويقع مكتب المحامين المسمّى «أرنو كلود وشركائه»، في الطبقة الأولى من المبنى، ويبعد نحو ٢٠٠ متر مباشرة عن قصر الإليزيه، وكان يعمل فيه سابقاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ما شكّل دافعاً لانتشار خبر «الاعتداء الإرهابي» بسرعة، وليحتلّ حيّزاً في وسائل الإعلام التي انتقلت لتغطية مباشرة من الشوارع المحيطة بمنطقة الحظر التي فرضتها الشرطة رغم المطر الغزير.
كما تبيّن أنّ مقابل مكتب المحاماة، في الطابق، الرابع توجد مكاتب «مؤسّسة ذكرى المحرقة» اليهوديّة، ما جعل البعض يتحدث عن «تلوين معاد للسامية» للتفجير.
وقد قطعت وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري زيارتها إلى بلجيكا وعادت إلى باريس التي حضر عمدتها، برنار دولانويه، إلى مكان الحادث. وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكن ممكناً معرفة المستهدف من التفجير، رغم أن مؤشرات كثيرة استبعدت أن يكون مكتب محاماة ساركوزي هو المستهدف، وخصوصاً أنّ البعض تحدّث عن إمكان أن يكون أحد محاميي المتشدد الكورسيكي إيف كولونا، المتّهم بقتل محافظ في كورسيكا وتجري محاكمته حالياً، يعمل في مكاتب الطابق الرابع. ومن المعروف أن رئيس المحكمة قَبِل طلب محامي الدفاع بانتقال المحكمة إلى الجزيرة، التي يُطالب جزء من سكّانها بالاستقلال، وهو ما لم يرق لكثير من جهات الادّعاء الذين يتهّمون الكورسيكيّين بـ«الإرهاب». غير أنّ وكالة «أسوشييتد برس» نقلت عن مصدر في الشرطة الفرنسيّة، لم تذكر اسمه، قوله إنّ التفجير لا يحمل بصمات المجموعات الإسلاميّة المتطرّفة ولا بصمات الإرهابيّين الكورسيكيّين، الذين يستخدمون في أعمالهم الإرهابيّة متفجّرات أكبر وأكثر عزماً. وتبحث الشرطة عن سائق دراجة ناريّة دخل البناء صباحاً وسلّم باليد الطرد إلى السكرتيرة التي لم تفتحه إلا بعد 3 ساعات. والشيء الأكيد أن هذا الانفجار قد غطّى على تظاهرات الطلبة التي نزلت إلى شوارع باريس، مسبّبة زحمة سير كبيرة، أعاقت في بعض الأحيان وصول سيّارات الشرطة، إذ إنّ وسائل الإعلام تحوّلت عنها، وبات خبر الانفجار يدور في حلقة على مختلف قنوات التلفزيون الفرنسي.
كما غطى التفجير على جلسة محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذي مثل مرة جديدة أمس، أمام القاضية المكلّفة التحقيق في قضية «اختلاس أموال» تعود إلى أيّام كان فيها رئيس بلدية باريس بين عامي 1977 و1995. وقد يتعرّض شيراك، في حال إدانته، إلى عقوبة بالسجن لمدّة 10 سنوات وغرامة قيمتها 15 ألف يورو. وهو أعلن، بعد توجيه الاتهام إليه، أنّه سيناضل دفاعاً عن شرفه و«من أجل الحقيقة»، مؤكّداً أنّه لم يحقّق أي «إثراء شخصي» خلال فترة ممارسته المسؤوليّة.