strong>محمد بدير
لم تزل إسرائيل في حالة انعدام الوزن في أعقاب صفعة التقرير الاستخباري الأميركي في شأن إيران، في ظل اعتراف قيادتها السياسية والأمنية بأن التقرير أنتج وضعاً جديداً صعباً بالنسبة إليها في المنطقة قوامه بقاء تل أبيب وحيدة في مواجهتها مع طهران

دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، دول العالم إلى عدم الوقوع في التقدير «الخاطئ» في شأن نية إيران الحصول على سلاح نووي، مشيرة إلى أن المشكلة الإيرانية خطيرة على وجه خاص في ضوء العملية السياسية التي أطلقها مؤتمر أنابوليس بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وكانت ليفني قد أعلنت شن حملة دبلوماسية على إيران تستهدف تأليب الموقف الدولي عليها واستدراج موافقة على تشديد العقوبات عليها في أعقاب التصدع الذي لحق بالجهود الأميركية على هذا الصعيد بفعل تقرير الاستخبارات الأميركية. ولم تخف ليفني نيتها على هذا الصعيد، فأعلنت أن إسرائيل تحاول مواصلة التأثير على الدول الغربية من أجل استمرار الخط المتشدد ضد إيران.
وقالت ليفني، في كلمتها أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس: «إن الوقت حاسم، وإن إيران تقترب من تجاوز السقف التكنولوجي الذي تستطيع بعده مواصلة إنتاج الطاقة الذرية لأهداف عسكرية، وإن بإمكانها أن تقوم بذلك بشكل سري وغير مراقب».
وهاجمت ليفني، في كلمتها، النظام الإيراني الذي رأت فيه «نظاماً خطيراً يقوم على إيديولوجيا دينية متطرفة ذات رؤية علنية تدعو إلى محو دولة عن الخريطة». وأضافت: «إن هذا النظام ينكر المحرقة (اليهودية) ويعمل بالتعاون مع جهات متطرفة من أجل تقويض أنظمة أخرى في الشرق الأوسط ودعم الإرهاب». وتابعت: «ينبغي عدم ارتكاب الأخطاء، هذه هي الأهداف الإيرانية، وهم لهذه الغاية يواصلون تخصيب اليورانيوم خلافاً للمعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية وقرارات مجلس الأمن».
ورأت الوزيرة الإسرائيلية أن «أي تردد حالياً سيكون انتصاراً للمتطرفين على معسكر المعتدلين الذي ننتمي جميعاً إليه».
من جانبه، رأى وزير التهديدات الاستراتيجية، أفيغدور ليبرمان، أن إيران تمثِّل تهديداً وجودياً على إسرائيل من دون أية صلة بقدراتها النووية. وقال ليبرمان، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، إن وجود حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي مرتبط بإيران، «وحتى لو لم يكن لإيران قنبلة نووية، فهل سيتوقف وجودهم كتهديد؟». ودعا ليبرمان إلى مواصلة العقوبات على نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد، لأنها «فعالة» وأدت إلى وقف برامج السلاح النووي.
وفي سياق تفاعل التقرير الاستخباري الأميركي إسرائيلياً، ذكرت صحيفة «معاريف» أمس أن ثمة خشية في الدولة العبرية من أن تكون الولايات المتحدة في وارد التحاور قريباً مع إيران في محاولة لتغليب الدبلوماسية على الضغوط الدولية والتهديد العسكري. وبحسب الصحيفة، فإن التقدير في تل أبيب يرى أن الكثيرين في الإدارة الأميركية يعتقدون بوجوب اعتماد السياسة التي انتُهجت مع ليبيا في معالجة ملفها النووي، لذلك لا يُستبعد أن تقود وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، اتصالات مع طهران. وبحسب الصحيفة، تتخوف إسرائيل من أن يؤدي هذا الميل إلى عرقلة تشديد العقوبات ضد إيران، فضلاً عن الخيار العسكري.
وأشارت «معاريف» إلى أن التقرير الأميركي أنتج واقعاً جديداً وصعباً بالنسبة إلى إسرائيل «فمن الآن، أصبحنا نحن وهم فقط، أي إسرائيل في مواجهة إيران؛ ومن يعتمد على العالم ليسارع ويتدخل في منع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، فعليه أن ينتظر فترة طويلة أخرى».
وأكدت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ما ذهبت إليه «معاريف»، مشيرة إلى أن القيادة الأمنية في إسرائيل تدرك أن وضعاً جديداً نشأ في المنطقة في أعقاب التقرير الأميركي يتطلب إعادة النظر في مجمل الأمور من دون أن تعرف كيف يمكن ترجمة ذلك إلى استراتيجية جديدة.
وقال المراسل العسكري للمحطة، ألون بن دافيد، إن كلاً من تل أبيب وواشنطن يسعى للبحث عن ثغرات في التقرير في وقت ستتمكن فيه إيران من تخصيب اليورانيوم بهدوء «والسير نحو القنبلة النووية». ورأى بن دافيد أن العزلة الدولية التي حاولت الولايات المتحدة فرضها على إيران بدأت تتلاشى، وأن رايس تشاهد كيف ينهار الحلف الذي عملت على بنائه ضد طهران.
من جهته، رأى مراسل الشؤون السياسية في المحطة أن التقرير الأميركي «خذل كل السياسيين والعسكريين في إسرائيل، وشكل ضربة قاسية أولاً وقبل كل شيء لإيهود أولمرت الذي كانت خسارته بسبب الإعلان الأميركي كبيرة جداً، وخاصة أن بناء نظريته الأمنية اعتمد على مقولة أن عام 2008 هو عام الحسم في الموضوع النووي الإيراني، وبعد التقرير أصبح هذا الادعاء باطلاً ولا مفعول له».
وبالعودة إلى «معاريف»، فقد رأت أن إسرائيل ستضطر، في ظل الوضع الجديد، إلى «اتخاذ قرارها المصيري: هل ستخاطر وتترك الإيرانيين يقتربون أو يتجاوزون نقطة اللاعودة على طريق القنبلة النووية، أم أنها ستأخذ مصيرها بيدها؟».
وضمن هذا الإطار، أثارت الصحيفة تساؤلات تتعلق بجهوزية إسرائيل لمهاجمة المشروع النووي الإيراني، مشيرة إلى أن القرار الذي تم التوصل إليه في المجلس الأمني المصغر يقضي بعدم إمكان تحمل إسرائيل لوجود سلاح نووي لدى إيران. إلا أن المشكلة تكمن في القدرة على ترجمة هذا القرار، في ظل علامات الاستفهام القائمة حيال وجود قدرة عملياتية إسرائيلية للقيام بذلك وقدرة إسرائيل على تحمل ثمن تنفيذه. فإسرائيل، وفقاً للصحيفة، قادرة من خلال ذراعها الجوية على الوصول إلى إيران رغم أن قدرة المقاتلات الإسرائيلية على التحليق في الأجواء الإيرانية محدودة. وفي كل الأحوال، حتى لو تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من تنفيذ غارات هجومية على المنشآت النووية الإيرانية، فإن الأضرار التي سيلحقها بالمشروع ككل لن تكون أكثر من تأجيله لبضع سنوات. أما ثمن ذلك فهو «سيل من الصواريخ على إسرائيل من إيران وحزب الله وحرب في غزة وضرر اقتصادي وعمليات ضد أهداف عسكرية أو يهودية في الخارج وإسقاط طائرة هنا أو هناك إلخ... إلخ». وبحسب الصحيفة، ثمة سجال في القيادة الإسرائيلية لم يصل إلى مرحلة الحسم عن لزوم تحمل هذا الثمن في مقابل تأخير القنبلة النووية الإيرانية لعقد أو نصف عقد من الزمن.