strong>أرنست خوري
يبدو غريباً الحديث عن انشقاقات تصل إلى حدّ الاقتتال والتصفية الداخلية في صفوف حزب العمّال الكردستاني، وخصوصاً عندما تكون هذه الخلافات تتعلّق بالتحديد بأسباب «وطنيّة»، بعكس ما يقتضيه المنطق الذي يقوم عليه الحزب، لكونه يقدّم نفسه على أنه حزب ثوري ماركسي، يسعى لإنشاء دولة تمتدّ على حدود العراق وتركيا وإيران وسوريا

إذا صدق تقرير الاستخبارات التركية الذي نشرت صحيفة «زمان» أجزاء منه أمس، فإنّه يمكن القول إنّ وضع حزب العمّال الكردستاني بات شديد الصعوبة، ليس فقط نتيجة تصاعد الهجمات التي يتلقّاها من تركيا في الفترة الأخيرة، والتنسيق الكبير الذي تلقته أنقرة من كلّ من واشنطن وطهران وبغداد ودمشق، بل أيضاً لأنّ الخلافات على الزعامة و«الحساسيّات» الوطنيّة بين أكراد الحزب، ولا سيما الأتراك والسوريّون والإيرانيون، تسهّل المهمّة على تركيا، وقد تؤدّي بحسب ما تأمله بلاد أتاتورك، إلى «إبادة ذاتية» عجزت عن تحقيقها 30 سنة من الحروب التي شاركت فيها دول المنطقة ضدّ هذا الحزب.
وبحسب التقرير المذكور، فإنّ الهجمات الأخيرة التي يشنّها الجيش التركي على شمال العراق، سمحت له بتكوين مجموعة قيّمة من المعطيات عن الوضع الداخلي الذي يسود الحزب الكردي. من أبرز هذه المعلومات «الذهبية»، إدراكها أنّ هناك صراعاً عنيفاً على قمّة السلطة تدور رحاه بين السوري فهمان حسين، والتركي المولد مراد قره يلان، الذي يُعَدُّ الرقم واحد في الحزب منذ توقيف زعيمه عبد الله أوجلان عام 1999. وحسب هذه المعطيات، فإنّ قره يلان أبعد شقيق عبد الله، عثمان، وعدداً كبيراً من القياديين الآخرين، ليمسك بشكل كامل بزمام الأمور.
وتنقل الصحيفة التركيّة عن التقرير الاستخباري، أنّ المنافس الوحيد في وجه قره يلان، كان كميل باييك، قبل أن يتّفق الرجلان على التنسيق لمواجهة خطر الكردي السوري حسين، الذي يصرّ على العودة إلى «روح المعسكر القديم» لحزب العمّال. إذن، فالصراع الرئيسي اليوم يأخذ طابعاً قومياً، بين سوريّي الحزب وأتراكه. أمّا عن إيرانيّيه، فالاستخبارات التركية شبه متأكّدة من أنهم كانوا ينحازون تاريخياً لمصلحة أتراكه، وأنّ جزءاً كبيراً منهم ينضوون اليوم في صفوف حسين.
ويبدو أنّ انزعاج كل من قره يلان وباييك من المقاتلين السوريين، بدأ منذ قرار عبد الله أوجلان فتح الباب لعدد كبير من هؤلاء في الوصول إلى قيادة الجناح العسكري للحزب، «وحدات الدفاع الشعبي». وقالت «زمان» إنّ عدداً من مساعدي فهمي حسين إمّا تمّت تصفيتهم، وإمّا إبعادهم من قيادة الحزب. وبالتحديد، فإنّ 20 منهم أُعدموا أخيراً.
وفي سياق الخلافات الداخلية على عدد من القرارات المصيريّة التي تتعلّق بالحزب، تقول الاستخبارات إنّ قرارات وقف إطلاق النار من طرف واحد، التي اتُّخذت مراراً، كان سببها الاقتتال الداخلي بالتحديد. كما أنّ مقتل 7 من عناصر ميليشيات حرس الحدود الموالين لتركيا و12 من الجنود الأتراك جنوب محافظة سيرناك، كان قراراً غير متفقاً عليه بين القيادات الكرديّة.
وفي هذا الإطار، يتّهم حسين كل من قره يلان وباييك بأنهما «مساومان» أكثر من اللزوم، بينما يتّهمه القياديّان المذكوران بأنه «جندي» أو حتّى «عميل» لدى القوى الإقليميّة المؤثّرة في القضيّة الكرديّة. ويرى قره يلان وباييك أنّ الولايات المتّحدة تخطّط لاستغلال حسين لمصالحها الخاصّة في المنطقة، رغم أنها تعلم أنّ أكراد سوريا ليسوا الفئة الأقوى في «العمّال الكردستاني» ولم يكونوا كذلك حتّى عندما كانت قيادة الحزب تتمركز في سوريا وفي البقاع اللبناني.
ويعتبر الرجلان (دائماً بحسب تقرير الاستخبارات) أنّ الدعم الأميركي غير المحدود لحسين، هو ما يسمح له بالتمادي في تصرّفاته كأنه صاحب القرار. وبين مجموعة حسين، المئات من المقاتلين الأرمن والإيرانيين الأكراد والسوريين، وهم الذين تراهم تركيا البطاقة الأقوى بيد المشاريع الأميركية، وخصوصاً ضدّ إيران وسوريا.
وبحسب التقرير نفسه، «تنبهت دمشق منذ فترة لخطورة ما يمثّله العنصر الكردي الناقم على النظام منذ سبعينيات القرن الماضي. فإضافة إلى الإجراءات المشدّدة التي تتّخذها بحقّ الأكراد أمنياً واستخبارياً على كل الصعد، حتّى في ما يختصّ بأنديتهم الاجتماعية والرياضية، قرّرت السير قدماً في تضييق مدروس ومحكم ضدّ الفرع السوري من حزب المجتمع الديموقراطي (الكردي) داخل أراضيها».
لهذه الأسباب، تعتقد أنقرة، أنّ التطوّر الذي حصل لمصلحتها في الميادين الأمنية ضدّ «العمال الكردستاني» نتيجة اعتبار الرئيس جورج بوش أنّ هذا الحزب «عدوّ مشترك»، لن يكون شاملاً ولن ينسحب على جميع تيّارات الحزب الكردي، باعتبار أنّ «واشنطن وإسرائيل ستبقيان على الجناح الموالي لهما». وهكذا من المرجّح أن تقتصر الملاحقة الجدّية على الأكراد الأتراك داخل «العمّال». من هنا تبدي الصحيفة اقتناعها بجدّية المعلومات التي تحدّثت أخيراً عن قرب موعد تسليم كل من قره يلان وباييك التركيان إلى أنقرة. وتسليم هذين الرجلين سيكون، بحسب اعتقاد المؤسّسة العسكرية التركية، ضربة قاضية من ناحية استسلام جميع الأكراد الأتراك الآخرين.
وتكمل تحليلات ومعلومات الاستخبارات بالقول إنّ مقاتلي حزب «الحياة الحرّة» (بيجاك) (الجناح الإيراني لحزب العمال)، الناشط أيضاً في جبال قنديل شمال العراق، هم من جناح فهمي حسين، وعددهم لا يقلّ عن خمسة آلاف مقاتل كردي سوري.
ومع الأخذ بالاعتبار «العداء الكبير الذي يكنّه حسين للنظام البعثي في دمشق»، تبدو الاستخبارات التركية متأكّدة من أنّ الرجل سيبقى بمأمن من أي ملاحقة جدية تسهم فيها الولايات المتّحدة. واليوم، في ظل العمليات التركية «النوعية» في شمال العراق، لجأ معظم مقاتلي جناح حسين إلى تركيا أو إيران (بمساعدة بيجاك) أو حتّى إلى أرمينيا لقضاء فصل الشتاء هناك.