باريس ـ بسّام الطيارة
محوره ثقافي اقتصادي «جغرافيّته مطّاطة» تلامس الخليج... وقمّة مرسيليا تنتظر موافقة سوريا ولبنان


منذ أوّل يوم أعلن فيه نيكولا ساركوزي ترشّحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية وهو يحمل لواء «الاتحاد المتوسّطي»، ويلوّح به كحلّ «سحري» لعدد من المسائل التي تواجه العلاقات بين «الشمال الغربي» و«الجنوب المسلم». وقد رأى في حينها كثيرون أن ساركوزي يسعى إلى هدفين من وراء دعوته هذه، هما «تمييع» عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ووضع النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي في وعاء أوسع من وعاءي «لقاء برشلونة» أو لقاء «٥+٥» اللذين أثبتت الأيام عقم مساريهما.
إلّا أنّ ساركوزي قدّم الاتحاد المتوسطي وكأنّه «باب حلول للعديد من الملفات التي تعاني منها فرنسا»، وفي طليعتها ملفّ تدفّق المهاجرين، وفتح آفاق أفريقيا الشمالية للمصانع الفرنسية الباحثة عن يد عاملة رخيصة من جهة، وللمنتجات الفرنسية من جهة أخرى.
لكنّ هذه المقاربة لا يجب أن تُخفي البعد السياسي والثقافي للاتحاد المتوسطي العتيد، وخصوصاً أن الكثير من العلامات تشير إلى وضعه في مسار التنفيذ، بعد أن اختير السفير آلان لو روا لقيادة عملية الاتصالات مع العواصم المعنية، وأنّ العمل جارٍ على قدم وساق للدعوة إلى قمّة متوسطية في أواسط شهر حزيران من السنة المقبلة. وعُلم أيضاً أنه سوف تُنشأ أمانة سرّ للاتحاد يكون فيها مندوبون عن الدول الأعضاء بنظام شبيه بما كان عليه الاتحاد الأوروبي في مطلع عمله، كما أنّ الرئاسة ستكون مداورة سنوياً. ومن شبه المؤكّد أن نيكولا ساركوزي سينتخب الرئيس الأول لهذا الاتحاد.
وذكرت أوساط مطّلعة لـ«الأخبار» أنّ هذا الاتحاد سيدور حول محور اقتصادي ثقافي، وأنه سيشمل إلى جانب الدول التي تطلّ على البحر الأبيض المتوسط (٢٢ دولة)، ثلاث دول «لا يمكن تجاهلها»، وهي البرتغال والأردن وموريتانيا. ويجيب المصدر على سؤال عن سبب إبعاد الاتحاد الأوروبي عن مبادرة ساركوزي بأنّ المشاركة في أعمال الاتحاد بصفة مراقب ستُفتح «لكلّ من يُظهِر رغبة في تقديم مساهمة في هذا المسار»، وذلك في إشارة مباشرة لانتقادات ألمانية برزت خلال المؤتمر الصحافي الذي جمع المستشارة أنجيلا ميركل وساركوزي.
وتقول هذه المصادر إنّ الانفتاح الذي يصفه البعض بأنه «جغرافيا مطّاطة»، يمكن أن يطال دولاً مثل دول الخليج «التي أظهرت استعدادها لتمويل عدد من المشاريع».
إلا أنّ التململ من المبادرة الفرنسية لا يقف على أبواب التصريحات الألمانية فقط، إذ تتحدّث بعض المصادر عن «تضايق إسباني من التفرّد الفرنسي» الذي يقود بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى «قصم ظهر مسار برشلونة».
وقد علمت «الأخبار» من مصادر واسعة الاطلاع أنّه تقرّر طرح «سلة مشاريع» على القمّة المقبلة، التي من شبه المؤكّد أن تُعقَد في مدينة مرسيليا الفرنسيّة، تطال الحقول التالية: التنمية المستدامة، وحماية الشواطئ، والتغيير المناخي، وربط شبكات الغاز والكهرباء، وتنمية الطاقة الشمسية والطاقة النظيفة، والتعليم والتعاون الجامعي، إضافة إلى نشاطات البحث والتعاون في مجالات الأمن.
وردّاً على سؤال لـ«لأخبار» عن إمكان نجاح «مسار الاتحاد المتوسّطي» في غياب أي تقدم في مسألة النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي الذي مثّل عقبة في «مسار برشلونة» وكل محاولات التعاون الإقليمي منذ مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو، كشف مقرَّب من الملفّ أنّ «من يقف وراء فكرة الاتحاد يدرك تماماً العقبات السياسية التي تقف أمام المشروع»، إلا أنّه أضاف: «ولكن هل لنا أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار حلّ؟». واستطرد بالتشديد على أنّ فكرة الاتحاد تركت أثراً إيجابياً على مسار برشلونة، وأنّه بعد جولة على معظم دول المتوسط قام بها المكلّف من جانب ساركوزي، فإنّ كافة المسؤولين شدّدوا على دعمهم للفكرة وتأييدهم لها، وأكدوا حضورهم القمة. إلا أنّ المصدر أفصح عن أنّ دولتين فقط لم تعطيا جواباً حتى الآن، وهما لبنان وسوريا.
وكان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي يزور باريس في مناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس معهد العالم العربي، قد ذكر لـ«الأخبار»، ردّاً على سؤال عن إمكان نجاح الاتحاد المتوسطي في غياب أي تقدّم نحو حلّ لملف الشرق الأوسط وحول سباق مفترض بين مسار أنابوليس ومسار الاتحاد المتوسطي، أنه «حتى الآن لم تقدّم طروحات واضحة ومحددة، ولم يدخل المشروع في مرحلة بلورة نهائية». إلّا أنّه استطرد قائلاً: «لا أعتقد بأنّ أيّ مشروع تعاون تنموي في المنطقة ينجح أو يعطي نتائج في غياب حل للنزاع العربي الإسرائيلي».