هآرتس ـ تسفي بارئيل
الغضب الإسرائيلي من التقرير الاستخباري الأميركي في شأن التهديد الإيراني مفهوم. فالتهديد، حتى لو لم يكن نووياً، بقي على حاله، وما زالت إيران دولة تملك ترسانة صاروخية بالستية يسيطر عليها نظام يُعدّ عدواً للغرب عموماً، وساعياً إلى إزالة إسرائيل من الوجود على وجه الخصوص.
من هنا، تأتي خيبة الأمل العميقة والشعور بالخيانة، وبصورة أساسية الفزع والخوف من أن تكون أجهزة الاستخبارات الأميركية قد قررت النظر من تحت العباءة الإيرانية للحظة، والتلميح بأن «نظرية العدو الإيراني» مليئة بالثقوب الجوهرية.
المشكلة مع إيران ليست الذرّة وحدها، بل النظام نفسه المراوغ والمخادع. إيران تمتلك علاقات ممتازة مع غالبية الدول الغربية، وهي، من جهة أخرى، تحكم قبضتها على الصحافيين والنساء والمفكرين وعلى كل من يمثل القيم الليبرالية الغربية فيها. كما أنه نظام يوفر الرعاية لحزب الله وحماس، ولديه من الناحية الأخرى استعداد للتعاون مع السعودية من أجل حل الأزمة اللبنانية، أو مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في العراق. نظام يطرح موقفاً متشدداً في إدارة المفاوضات النووية، ومع ذلك يتبين أنه قد استجاب للضغوط الدولية منذ عام 2003.
إيران مضللة ومخادعة بالفعل، لكنها ليست مجنونة. هي تتصرف وفقاً للمنطق السياسي، إلا أن هذا المنطق ضاع منذ عام 1979 في خضم الخطاب الدولي الذي صوّر إيران عدواً دولياً بديلاً. من هنا يأتي حجم الضربة التي تلقتها إسرائيل. فبرغم أن التقرير لا يبعد التهديد الإيراني ـــــ ولا يؤكده ـــــ إلا أنه نجح في انتزاع ثروة استراتيجية هامة من إسرائيل: هي لا تستطيع مواصلة أداء دور الدولة الإقليمية العظمى التي تحدد خريطة التهديدات الاستراتيجية. الدولة التي نجحت في تجنيد العالم ضد إيران ستتبوأ موقع «المزعج».
ولكن مشكلة إسرائيل الحقيقية هي أن إيران أيضاً تفقد بسبب هذا التقرير المكانة التي اكتسبتها لنفسها كتهديد استراتيجي، ومن هنا ستجد إسرائيل صعوبة في «تجنيدها» لمصلحة سياستها الإقليمية. على سبيل المثال، ما هو المبرر الذي سيكون لإسرائيل حتى تطالب سوريا بقطع علاقاتها مع إيران كشرط للمفاوضات، في الوقت الذي تحصل فيه هذه الأخيرة على شبه شهادة حسن سلوك من الاستخبارات الأميركية؟ أية جدوى ستأتيها من الإشارة إلى العلاقة بين إيران وحماس وحزب الله، بينما تبدو إيران الآن دولة غير مهددة للمنطقة؟ ولماذا يجب وصف أنابوليس بأنه يرمي إلى فرملة إيران؟
المشكلة ليست مشكلة إسرائيل. زميلاتها العربيات مصابات بالفزع. من دون الاعتراف بالتهديد النووي الإيراني ستنهار جبهتان: العربية ضد الدولة الإيرانية ـــــ الشيعية، الجبهة التي قربت إسرائيل من جزء من الدول العربية. والجبهة الإسرائيلية ضد حزب الله وحماس أو ضد سوريا. في هاتين الجبهتين، كانت إيران محوراً ارتباطياً وعدواً بنيت ضده التحالفات المصلحية، وبلورت ضده تحالفات بين الخصوم.
هؤلاء الأعداء سيعودون لأداء دور «الأعداء المحليين» فقط، لا جزءاً من محور الشر الذي ينهار هو أيضاً بين صفحات التقرير الأميركي، ولا رسلاً لغول نووي. إسرائيل ستضطر للعودة إلى الأعداء التقليديين المثيرين للضجر، والذين يمكن مقارعتهم بواسطة الحواجز وقطع الكهرباء، وإلى مؤتمر أنابوليس، وغيرها من الجزيئات المتناثرة.
بعد سقوط الاتحاد السوفيياتي، هناك من قال إن الولايات المتحدة ستضطر إلى إنتاج عدو استراتيجي جديد. ما ستفعله إسرائيل سيكون مثيراً بعدما قام التقرير الأميركي بتحطيم عدوها الاستراتيجي.