باريس ـ بسّام الطيارة
فرنسا الرسميّة والشعبيّة غاضبة مـن زيارة القذّافي


زيارة الزعيم الليبي معمّر القذافي إلى فرنسا كانت مناسبة للبرهان مرّة أخرى على ما لم يعد خافياً على أحد، وهو أن الرئيس نيكولا ساركوزي يحبّ التحدّي ويهوى المجابهة ولا يخاف المعارضة والاعتراضات.
وقلّ أن عرفت فرنسا موجة استنكار شبيهة بالموجة التي ترافق زيارة القذافي. وقد وصل الاستنكار إلى «المربّع الحكومي من اشتراكيّين وممثّلي التنويع في المجتمع الفرنسي»، بعدما خرجت وزيرة الدولة لشؤون حقوق الإنسان ياما راد بتصريح عنيف للغاية «تحفّظت فيه على مبدأ الزيارة»، وقالت «أن نجد أنفسنا في يوم حقوق الإنسان مع القذّافي على مدرج المطار فهذه مشكلة». واستطردت، في حديث لصحيفة «لوباريزيان» موجّهة كلامها إلى العقيد الليبي قائلة «إن فرنسا ليست ممسحة يستطيع أي زعيم أن يأتي ليمسح قدميه من دماء جرائمه بها».
وانضمّ وزير الخارجية برنار كوشنير إلى جوقة منتقدي الزيارة، مشيراً إلى أنّها «مجازفة بسمعة فرنسا». وتساءل عمّا إذا كان توقيتها في يوم الاحتفال بحقوق الإنسان هو «استفزاز». ووصف كوشنير الضيف الليبي، في حديث لصحيفة «لاكروا»، بأنّه من «محترفي انتهاك حقوق الإنسان». وأضاف أنّه «لا يمكن نسيان أسماء الضحايا المسؤول عنهم ولا معاناتهم».
لكنّ كوشنير قلّل من وقع انتقادات رما ياد، فرأى أنها بهذه الملاحظات «تؤدّي دورها» بصفتها وزيرة للحقيبة التي تتولّاها، داعياً إلى «الواقعية» في التعاطي مع الزيارة. ولمّا سُئل عما إذا كان يترتّب على ياد الاستقالة من الحكومة على خلفيّة استقبال القذّافي، أجاب «كلّا». ورغم أنّ كوشنير وياد لم يشاركا في العشاء الذي أقامه ساركوزي على شرف القذافي مساء أمس في القصر الرئاسي، فإنّ هذا لم يمنع المرشّحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال من انتقاد زميلها السابق في الحزب الاشتراكي كوشنير بسبب «ميوعة انتقاده للزيارة» وقولها إنّها «مُحبطة» من ردّة فعله.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ٦١ في المئة من الفرنسيّين لا يؤيّدون هذه الزيارة رغم «التوقّعات بعقود بمليارات اليورو».
في المقابل، استنفرت الأوساط المقرّبة من الرئيس الفرنسي للدفاع عن الزيارة بالقول إنّ «فرنسا تتكلّم مع الجميع»، و«يجب مرافقة ليبيا في تحوّلها نحو مجتمع منفتح». بدوره، ذكّر سيّد الإليزيه أنّ فرنسا «هي التي فاوضت من أجل الإفراج عن الممرّضات البلغاريات والطبيب» الفلسطيني في تمّوز الماضي و»إلّا لكانوا ما زالوا في السجن».
لكنّ الممرّضات البلغاريات الخمس رفضن أن يتزامن وصولهنّ إلى العاصمة الفرنسية مع وصول القذّافي، إذ أجّلن رحلتهنّ التي كانت مقرّرة أمس إلى باريس بدعوة من «أطبّاء بلا حدود» بسبب زيارة الزعيم الليبي. ونقلت وكالة الأنباء البلغارية «بي تي إيه» عن الممرّضات قولهن إن «موعد الزيارة غير مناسب بالنظر إلى زيارة القذافي».
ونُقل عن لسان ساركوزي، في سياق ردّه على منتقديه، «يقولون إنّني صديق إسرائيل وعندما أستقبل زعماء عرباً ينتقدونني!». والواقع أنّ ساركوزي يتحدّث بالفعل مع الجميع: فقد ساد بعض الذعر في جهاز البروتوكول الرئاسي الفرنسي، حين تأخّر وصول الزعيم الليبي ساعة إلى قصر الإليزيه، الذي وصله في الساعة الثالثة والنصف، أي قبل ساعة ونصف من موعد استقبال الرئيس السابق للحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتانياهو. وقد اجتاحت موجة من اللهفة لدى مئات الصحافيّين الذين تجمهروا في باحة القصر الرئاسي متأمّلين أخذ صورة مزدوجة لدخول الزعيم الليبي وخروج زعيم المعارضة الإسرائيليّة.
وبعد اللقاء الذي دام أقلّ من ساعة، كشف ساركوزي، في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه، أنّه «طلب منه التقدّم على طريق حقوق الإنسان». وقال «فرنسا تستقبل رئيس دولة تخلّى نهائياً عن حيازة السلاح النووي وقرّر وضع مخزونه تحت مراقبة المنظّمات الدولية واختار التخلّي نهائياً عن الإرهاب والتعويض عن الضحايا». وطمأن المعترضين بالقول إنه سيستقبل أيضاً جمعيات الدفاع عن الضحايا التي احتجّت على استقبال الزعيم الليبي.
وعن قيمة العقود التي ستُوَقَّع بين الزعيمين، أشار ساركوزي إلى أنها ستكون بقيمة 10 مليارات يورو وتدور حول مصنع لتحلية مياه البحر يعمل بمفاعل نووي وتعاون في مجال الاسلحة وعدد من العقود الاقتصادية.
وتشهد باريس زحمة دبلوماسية؛ فبالاضافة إلى استقبالها القذّافي ونتانياهو، من المتوقَّع أن يصل غداً ملك الأردن عبد الله الثاني، كذلك تتحدّث الأوساط المقرّبة من الرئاسة عن إمكان قيام أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة يوم الخميس إلى باريس.