أرنست خوري
اكتسبت الجولات السابقة من الاجتماعات الأميركية ـــــ الإيرانية بشأن أمن العراق، درجة لا بأس بها من الإثارة السياسية والإعلامية. إثارة مصدرها أنّ الدولتين اللتين تقفان اليوم على أعتاب حرب، لا تقيمان علاقات دبلوماسية رسميّة منذ 28 عاماً (من دون احتساب الصفقات السرية بينهما وأبرزها فضيحة إيران ـــــ كونترا منتصف الثمانينيات).
وبين الجولات السابقة واليوم، حصلت أمور كثيرة بين البلدين في شأن الملفّ العراقي؛ استمرّت الاتهامات الأميركية المباشرة لطهران بفتح حدودها أمام المقاتلين والسلاح والعتاد «لزعزعة أمن العراق» حتّى بداية تشرين الثاني الماضي، حين أعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس أنّ إيران «تعهّدت في شهر آب لبغداد بمنع تدفّق الاسلحة إلى العراق، والتزمت بالعهد». وترافق هذا الكلام الإيجابي مع رسائل شكر أميركيّة أكثر وضوحاً تجاه سوريا. ثمّ فجأة، عاد المسؤولون الأميركيّون إلى النبرة المتشدّدة تجاه إيران وأعلن كل من غيتس والجنرال دايفيد بيترايوس أنّه «لا يزال من المبكر القول إنّ طهران تتعاون» عراقيّاً. قد يعود السبب في هذا التقلّب في الموقف، إلى أنّ واشنطن، التي أكرمتها دمشق بالمشاركة في مؤتمر أنابوليس، وجدت نفسها مضطرّة لتخفيف الضغوط الدولية عليها، خصوصاً على خلفيّة التغيير في الموقف الأميركي الذي طرأ لجهة الملف اللبناني، بحيث ظهر أنّ الإجماع على رئيس توافقي في بيروت، حصل في شقٍّ منه، بنتيجة توافق إقليمي ـــــ دولي، لا يشكّ أحد في أنّ دمشق وواشنطن ركنان فيه.
أمّا الجولة الرابعة من المحادثات الأميركية ـــــ الإيرانية التي ستُعقَد في 18 من الشهر الجاري، فمُرشَّحة لأن تكون خالية من أي إثارة سياسية أو إعلامية. ذلك أنّ بغداد سوف تستضيف «خبراء» من الدولتين لا السفيرين. أمّا جدول أعمال الاجتماع «الفنّي» فسيكون، على حدّ كلام وزير خارجية العراق هوشيار زيباري، درس ما هو مطلوب أكثر من طهران أن تقدّمه لضمان أمن العراق.
إذاً انتظر المراقبون طويلاً هذه الجولة من دون فائدة كبيرة: سيجتمع الفنيّون العسكريّون في بغداد يوم 18 الجاري، وسيخرجون بكلام عام، لأنّه حتّى إذا تمّ الاتفاق على إجراءات محدّدة بين الطرفين، فسيعلنها السياسيون لا الفنيون، الذين يبقون الجنود المجهولين في صنع القرارات الكبرى.
يبقى اللافت في المسألة برمّتها، ملاحظة ليست هامشيّة؛ من المعروف أنّ المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، الذي يرأسه السيد عبد العزيز الحكيم، هو الحليف العراقي الرئيسي بالنسبة للأميركيّين. كذلك هو بالنسبة لإيران، حيث أمضى الرجل الجزء الأكبر من حياته قبل 2003 وبعدها. لكن رغم كل ذلك، يبدو أنّ هذا الحليف ممنوع عليه معرفة تفاصيل الكبار. فخلال زيارته الأميركية الأسبوع الماضي، أكّد الحكيم ومساعده هيثم الحسيني، في مؤتمر صحافي، أنّ السفير كروكر ونظيره كاظمي قمّي سيمثّلان حكومتي بلديهما في هذه الجولة!