strong>مي الصايغ
التغييرات في كابول تبدو حتمية... والسؤال متى ستجري وكيف؟

تعيش أفغانستان صراعاً على السلطة يعكسه التوتّر القائم بين إدارة الرئيس حميد قرضاي وأمراء الحرب والمجاهدين السابقين، الذين يريدون امتلاك قدر أكبر من السيطرة على صنع السياسة واتخاذ القرار. فهل يمكن النظر إلى التجاذب القائم ما بين البرلمان والرئاسة والحكومة على أنه ظاهرة صحية تدل على آلام ولادة الديموقراطية في هذا البلد؟ وهل ستؤدّي أزمة الثقة بين الطرفين إلى إعادة النظر في الوضع السياسي الراهن لتفادي إعلان فشل المشروع الأميركي في أفغانستان؟
بعد سقوط نظام «طالبان» في عام 2001، اعتُبر قرضاي، وهو من الغالبية البشتونية، موحداً للبلاد، وحاول أن يظهر بمظهر المترفّع عن السياسات العرقية ليكون زعيماً لكل الأفغان. وخلال عملية إعداد مسودة الدستور الجديد وفقاً لقرارات مؤتمر بون، دافع قرضاي عن نظام رئاسي قوي يكون قادراً على تحطيم نفوذ أمراء الحرب وسطوتهم، فيما طالبت إثنيات الطاجيك والهزارا والأوزبك في الشمال بنظام برلماني قوي مع تعيين رئيس للوزراء لتحطيم سيطرة البشتون التاريخية على السلطة في أفغانستان، لكن في النهاية كان لقرضاي ما أراد.
ويشكو البرلمان حالياً التهميش وعدم إطلاعه على ما يجري في البلاد أو الاستجابة لمقترحاته في إصلاح الوضع المتردّي في أفغانستان، إلى جانب الشكوى من عدم تنسيق القوات الأجنبية مع السلطات المحلية في عملياتها في مختلف أنحاء البلاد.
وفي أيار الماضي، برز الخلاف بين قرضاي والبرلمان على خلفية تصويت الأخير على إقالة وزير الخارجية رانجين وادفار سبانتا على أساس عدم كفاءته في تولي مهام بمنصبه. غير أن قرضاي رأى أن التصويت غير قانوني ودافعه سياسي، ما أثار غضب الغالبية البرلمانية، التي اتهمت الرئيس باحتقار الدستور وتقويض أسس الديموقراطية في البلاد. وهدد معارضو قرضاي بشل البرلمان ودفع البلاد نحو أزمة سياسية، اذا لم يُقَل الوزير.
واتَّهم البرلمانيون سبانتا ووزير شؤون اللاجئين محمد أكبر، بالفشل في وقف طرد 50 ألف لاجئ أفغاني من إيران. وقبل قرضاي استقالة وزير شؤون اللاجئين، لكنه رفع أمر وزير الخارجية إلى المحكمة العليا، التي أيدت قراره بالإبقاء على الوزير، ما مثّل صفعة للنواب.
المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وجدها وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله خطراً على أفغانستان «لأن البلاد ليس لديها القدرة على تحمّل مثل هذه المواجهة»، التي وضعها دبلوماسي غربي في إطار «رؤية قرضاي الخاصة، التي تتمحور في وجود حكومة قوية يشرف عليها بنفسه مع عدم تمكين البرلمان من أداء دور قوي».
فخلال فترة رئاسته الانتقالية، التي استمرت لثلاث سنوات بعد سقوط أفغانستان في يد القوات الأميركية والأطلسية عام 2001، أوجد قرضاي مجلساً للوزراء عكس بصورة عادلة قوة وتمثيل الفصائل والمجموعات السياسية والعرقية التي تؤلف الطيف الافغاني، إضافة إلى أمراء الحرب الذين قادوا القتال ضد الاحتلال السوفياتي و«طالبان». غير أن هذه التشكيلة غير المتجانسة كانت كفيلة بإفشال الإدارة المؤقتة.
وواجه قرضاي ضغوطاً داخلية وخارجية؛ فالغرب ضغط عليه من أجل أن يؤلف الوزارة المقبلة من المتخصصين (التكنوقراط)، وألا يكون لأمراء الحرب مكان فيها، بينما سعت بعض الأحزاب السياسية، التي كانت تسمى أحزاباً جهادية، إلى أن يكون لها نصيب في المناصب الحكومية العليا، نظراً لإسهامها في الحرب ضدّ «طالبان».
هذا الوضع لم يستمر طويلاً، حيث عمل قرضاي خلال تشكيل الحكومة الثانية على تنظيف المجلس من أمراء الحرب واستبدل وزراء من التكنوقراط بهم، ما غيّر من ميزان القوى وجعله يميل باتجاه كفة البشتون.
وفي آذار الماضي، ألّف برلمانيون وسياسيون ائتلافاً سياسياً أطلقوا عليه اسم «الجبهة الوطنية»، وضمّ بصفة أساسية أعضاء سابقين في التحالف الشمالي، وهم من غير البشتون الذين سبق لهم أن قاتلوا «طالبان». ويشكل هذا الائتلاف تحدياً كبيراً لرؤية قرضاي الخاصة بالحكم. ووعد أعضاء الجبهة بالعمل على إحداث سلسلة من التغييرات الدستورية والانتخابية التي من شأنها أن تضعف سلطات الرئاسة وتعطي المزيد من النفوذ والتأثير للأحزاب السياسية الأخرى.
وفي أول رد على تأليف هذه الجبهة، ألقى قرضاي باللوم على جهات خارجية، وقال إنها «متواطئة بتأليف هذه المجموعة ولدينا معلومات أن بعض السفارات الأجنبية لها يد في هذا الموضوع».
لكن المستفيد الأول من التحالف الجديد هم قادة الجبهة الوطنية المتحدة، لأن معظمهم كانوا من أمراء الحرب الذين أسقطوا حكم «طالبان» تحت لواء التحالف الشمالي، لكن في السنوات اللاحقة ضعف تأثيرهم نتيجة سياسات الحكومة ومخططاتها لنزع سلاح أمراء الحرب في الشمال، وإدماجهم في النظام السياسي.
وفي ظل الضعف الواضح في مؤسسات الدولة، واستشراء الفساد المالي والإداري والضغط العسكري المتزايد من «طالبان» في الجنوب والشرق، والضغط السياسي من أجنحة تحالف الشمال وعودة زعماء الحرب في الشمال للقتال في إطار تصفية حسابات قديمة، يختلف المراقبون في حجم التغيير، وهل سيطال الرئيس قرضاي وحكومته أو يطال التركيبة السياسية برمتها ليضع أسساً جديدة للعبة السياسية؟
ويرى مراقبون أن التغيير الهادئ يواجه صعوبات دستورية كبيرة، إذ إن استقالة الرئيس لا تغير من الواقع شيئاً، وسيأتي نائبه الأضعف منه أحمد ضياء مسعود إلى حين إجراء انتخابات جديدة، علماً بأن البرلمان لا دور له عملياً في هذا المجال.
لكن التغيير يبدو حتمياً؛ فالسؤال في كابول لم يعد يتمحور حول إمكان حدوث تغييرات سياسية جذرية قد تطال قرضاي وحكومته والبرلمان، بل متى ستحدث هذه التغييرات وكيف؟

بعد سقوط نظام «طالبان» حاول قرضاي وهو من البشتون أن يظهر بمظهر المترفّع عن السياسات العرقية ليكون زعيماً لكل الأفغان. وخلال عملية إعداد مسودة الدستور وفقاً لقرارات مؤتمر بون، دافع قرضاي عن نظام رئاسي قوي لتحطيم نفوذ أمراء الحرب، فيما طالبت إثنيات الطاجيك والهزارا والأوزبك بنظام برلماني قوي مع تعيين رئيس للوزراء لتحطيم سيطرة البشتون لكن في النهاية كان لقرضاي ما أراد