طوني صغبيني
يتعرّض شعار «بلد واحد بنظامين»، الذي رفعته بكين لطمأنة هونغ كونغ عند تسلّمها السيادة عليها عام 1997، لامتحان جديد في الأشهر المقبلة، بعد الإعلان عن عزم الصين تأجيل الإصلاحات الديموقراطية في هونغ كونغ مجدداً إلى ما بعد عام 2012، في خطوة لا بد أن تكون لها تداعيات في الإقليم الخائب من الانتظار.
ترتفع الأصوات في هونغ كونغ للإسراع بتطبيق الديموقراطية، وتكتسب زخماً متزايداً يوماً بعد يوم، وهو ما أظهره بوضوح الانتصار الانتخابي الكبير الذي حققته الأسبوع قبل الماضي أبرز رموز المطالبين بالديموقراطية انسون تشان، أمام وزيرة الأمن السابقة المؤيدة للحكومة ريجينا أيب في انتخابات المجلس التشريعي.
وتطالب المعارضة بتطبيق فوري للديموقراطية وإجراء عدد من الإصلاحات السياسية بعد تبخّر وعود القيادة الشيوعية في بكين أكثر من مرّة، وفرض تأجيل متكرّر لتعديل الدستور بحجة «عدم نضوج الظروف لتطبيق الديموقراطية الكاملة». وينصّ الدستور على الانتخاب المباشر لنصف أعضاء المجلس التشريعي (ليغكو) المكوّن من 60 عضواً، وتعيين النصف الآخر من قبل بكين من ممثلين عن الجماعات المهنية ورجال الأعمال المؤيدين لها.
كما أن الرئيس التنفيذي (رأس السلطة التنفيذية) يتم اختياره عبر لجنة مكونة من 800 عضو معيّن، وهم بغالبيتهم من المتعاطفين مع السلطات المركزية التي تحكم بذلك قبضتها على صناعة القرار. ولم تنجح حتّى الآن محاولات بكين لاستيعاب «الفورة الديموقراطية» في هونغ كونغ عبر «اقتراحات خجولة» تمثلت بتوسيع حجم اللجنة التي تختار الرئيس التنفيذي وزيادة أعضاء المجلس التشريعي من دون تعميم الانتخابات المباشرة. ورفضت المعارضة هذه الاقتراحات أكثر من مرّة وعاشت هونغ كونغ اضطرابات شديدة ونزل مئات الآلاف في تظاهرات صاخبة، أبرزها كان عام 2003 إثر سعي الحكومة المحلية لسنّ قانون يحدّ من الحريات العامة، وعام 2005 بعد اقتراح بكين إجراء إصلاح سياسي محدود.
ولعلّ القيادة الشيوعية كانت تراهن على نجاح المعادلة التي أثبتت فعاليتها في البرّ الرئيسي، وملخصها أن الرخاء الاقتصادي يغني عن الإصلاحات السياسية أو على الأقل يؤجلها. لكن تعويذة «اشتراكية السوق» الصينية نجحت فقط جزئياً هناك، فلم يؤدّ ارتفاع النمو الاقتصادي مجدداً منذ عام 2003 إلى تنازل المعارضة عن مطالبها ولو استدرجها إلى إبداء مرونة تجاه التاريخ النهائي لتطبيق الإصلاحات.
ورغم فشل الرهان، إلا أن موقف القيادة المركزية ليس مرشّحاً للتبدل. وذكرت مصادر إعلامية الأسبوع الماضي أن كبار المسؤولين في بكين سيعلنون العام المقبل أنه «من المستحيل» تطبيق الإصلاحات الديموقراطية في انتخابات عام 2012 وستكون الاقتراحات في تلك السنة استعادة لما سبق ورفضته المعارضة عام 2005.
وأسباب العناد المركزي يعود في الدرجة الأولى إلى مخاوف داخلية من قيام هونغ كونغ بتصدير تجربتها السياسية إلى الأراضي الصينية الرئيسية، حيث لا يزال شبح احتجاجات ساحة تيان ان مان عام 1989 ماثلاً في أذهان القيادة الشيوعية المتخوفة دوماً من إزاحتها عن الحكم. إذ من شأن هذه الإصلاحات أن تنعش مطالب مماثلة في هضبة التيبت ومنغوليا والأقاليم المكونة من أقليات إثنية وعرقية.
وتخاف بكين أيضاً من أن انتخاب هونغ كونغ لقادتها سيضعف حتماً تأثيرها عليها، ويفتح الباب في المستقبل لانفصال المقاطعة نهائياً عن الدولة المركزية وتشجيع الأقاليم الأخرى على ذلك. وتلوّح المدن المزدهرة في قلب العملاق الآسيوي باستمرار بإقامة مدن عالمية مستقلة بهدف اكتساب حرية اقتصادية أكبر والتخلص من الهيمنة البيروقراطية للدولة وإزاحة عبء تنمية المناطق الداخلية الفقيرة عن كاهلها.
أضحت هونغ كونغ اليوم مختبراً سياسياً حياً. وبغض النظر عن التطورات المقبلة، فإن مفاعيلها السياسية ستتخطى بالتأكيد حدود المقاطعة الجغرافية وستدلّ على بوصلة السياسة الصينية الداخلية خلال السنوات القليلة المقبلة.