strong>بول الأشقر
أنهى الرئيس الأرجنتيني نيستور كيرشنر ولايته بتوقيع اتفاق إنشاء «مصرف الجنوب» (بنكو دل سور) مع نظرائه البرازيلي لولا دا سيلفا، والفنزويلي هوغو تشافيز، والبوليفي إيفو موراليس، والإيكوادوري رافاييل كوريا، والباراغواياني نيكانور فروتوس، إضافة إلى الرئيسة الأرجنتينيّة المنتخبة كريستينا فرنانديز (زوجة كيرشنر).
والمؤسّسة المصرفيّة الدوليّة الجديدة، الشبيهة بالبنك الدولي وبصندوق النقد الدولي، تمثّل تعبيراً قوياً عن الرياح التي تغيّرت في القارّة خلال العقد الأخير.
وقد غاب عن الحفل رئيس الأوروغواي تاباري فاسكيز، الذي سيوقع الوثيقة فور وصوله إلى الأرجنتين، بعدما قرّر اختصار زيارته بحفل التنصيب الرئاسي بسبب الخلاف الواقع بين الأرجنتين والأوروغواي حول إقامة معملي ورق على ضفّة النهر الذي يفصل بين البلدين. ولم توقّع على وثيقة إنشاء المصرف البيرو ولا التشيلي، اللتان كانتا قد بدأتا في المفاوضات، ولا كولومبيا التي انسحبت منها قبل شهر.
وغاية «بنك الجنوب»، الذي يُرجّح أن ينطلق بعد شهرين برأسمال يقدر بـ7 مليارات دولار، «تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية» و«تقوية الاندماج وتقليص الفوارق والإسهام في توزيع عادل للاستثمارات». وكيرشنير وتشافيز هما عرّابا المشروع الذي أطلقاه بعد لقاء بينهما في أواسط عام 2004، وبعد ذلك تبنّته الدول الأخرى المشاركة.
وسيكون مقرّ المصرف في كاراكاس مع أمانَتين، واحدة في بوينوس آيرس وأخرى في لاباز. وينصّ قانون المؤسّسة على أنّ لكلّ دولة صوتاً متساوياً في مجلس إدارة المصرف بعكس المؤسّسات الماليّة الدوليّة، حيث وزن كل دولة يختلف بحسب إسهامها الماليّة. وقد اتفق وزراء الاقتصاد لكلّ دولة، وهم يشكّلون مجلس الإدارة، على وضع اللمسات الأخيرة لأداء المصرف خلال 60 يوماً.
المشاكل الباقية ليست تفصيلية، إذ إضافة إلى تحديد الإسهام المالي لكل بلد، يجب تحديد كيفيّة اختيار المشاريع وتوزيع الموارد ومتابعة التسليفات إذا كان المقصود أن تعمل المؤسّسة الجديدة بصفة مصرف قابل للاستدامة لا مموّل فقط، من دون مقابل، لمشاريع اجتماعيّة، أو كإطفائي لحاجات طارئة في الماليّات العامة. وفي هذا المجال، يبدو أنّ أولويّة المصرف ستكون الاستثمار في مشاريع البنى التحتيّة المنتجة أو القابلة لدعم النمو.
وهذه الأسئلة الحسّاسة تُبررها الفوارق التي تفصل بين الدول الغنيّة المشاركة، التي تتمتع بالموارد الماليّة، والدول الفقيرة المخنوقة التي ترى في المشروع وسيلة للحصول على خطوط تسليف أرحم من تلك التي يفرضها عليها السوق. مهما تكن الحلول التي ستعتمدها هذه الدول، يبقَ تأسيس هذا المصرف الإقليمي، الذي يطمح إلى أن يتحوّل إلى أداة فاعلة في القارة، موازية لعمل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، دليلاً ساطعاً على التغيير الحاصل في القارة منذ أقل من عقد.
ففيما كان «توافق واشنطن» بقواعده النيوليبرالية الصارمة الطريق الوحيد المسموح به حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، تستعيد اليوم الدول اللاتينيّة في فترة تزايد احتياطها، وتحديداً البرازيل وفنزويلا والأرجنتين (وإن لأسباب مختلفة) حيزاً نوعياً من الاستقلاليّة الاقتصاديّة.