باريس ــ بسّام الطيارة
لبس العقيد معمر القذافي، في اليوم الرابع لزيارته إلى فرنسا، «عباءة الضيف الثقيل»، وبات عبئاً على صاحب الدعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي


بعد مرور موجة الاستنكار التي رافقت «مبدأ الدعوة» لـ«الديكتاتور»، جاءت موجة «العقود التجارية» التي أسالت لعاب أوساط الأعمال وصحيفة «الفيغارو» اليمينية، فهبّت تدافع «عن فرص العمل» التي توفرها «انفتاحات ساركوزي» على أنظمة ذات سجل غير ناصع في مجالات حقوق الإنسان.
أضاف العقيد الليبي معمر القذافي، هذا «الضيف الثقيل» على باريس، إلى شخصه «الحشرية» التي أثارتها مبادراته وطلباته «المستفزة»، مثل الذهاب إلى حفلة صيد في أحراج الضاحية الفرنسية، أو ركوبه قارباً في السين «الباتو موش»، وتوقفه عند بائعي الكتب القديمة تحت «أسقف وزارة المال» على ضفة النهر الباريسي، الأمر الذي تسبب بأزمة سير لساعات.
ولم تمرّ زيارته إلى مجلس النواب بسلام أيضاً. إذ قاطعها إلى جانب الاشتراكيين، عدد لا بأس به من نواب الأكثرية، في مقدمتهم رئيس كتلتهم جان فرنسوا كوبيه، في إشارة إلى أن «ساركوزي بدأ يضيق بهذه الزيارة التي يبدو كأن لا نهاية لها»، حسبما صرّح أحد المقربين من كتلة الأكثرية.
وكلما حاول ساركوزي التخفيف من وطأة حضور القذافي في بلاده، تأتي تصرفات العقيد الليبي لتزيد من حرج «الداعي»؛ فحين أعلن الرئيس الفرنسي أنه تكلم مع ضيفه عن حقوق الإنسان، «كذبه القذافي» بعد ساعات خلال مقابلة تلفزيونية، وذهب أبعد حين انتقد في مبنى «الأونيسكو» «فرنسا وحقوق الإنسان فيها» مشيراً إلى حقوق المهاجرين، وهو ما دفع وزير الخارجية برنارد كوشنير إلى القول إن ما يصدر عن القذافي «مثير للشفقة».
ولا تتوقف «مآسي ساركوزي من جراء هذه الدعوة». بل الصدف أيضاً تسهم في زيادة حرجه. ويتحدث الصحافيون بفكاهة عن «ساركوزي بين القذافي ونتنياهو»، في إشارة إلى زعيم حزب الليكود الإسرائيلي ينيامين نتنياهو. فللمرة الثانية، كاد «حرس العقيد يصطدم بحراس نتنياهو من رجال الموساد» على مدخل أوتيل «ريتز» الفخم؛ إذ حين وصل العقيد إلى مدخل الفندق لعقد لقاء مع عدد من المثقفين والدبلوماسيين، كان رجال «الموساد» الذين يحرسون باب الفندق يستفزّون الزعيم الليبي قليلاً لحظة دخوله، وكاد الأمر أن يتطور لولا تدخل مراجع أمنية فرنسية.
كذلك علمت «الأخبار» أن مسؤول البروتوكول في قصر فرساي، الذي أعلن القذافي رغبته بزيارته بعد وضع إكليل زهر على قبر الجنرال ديغول، رفض أن «يكون حاضراً وقت الزيارة» فيما تغيّب مدير متحف القصر لأسباب واهية.
والآن، والجميع يجهل متى تنتهي زيارته، فإنهم ينتظرون «موجة الحسابات». إذ بحسب بعض المصادر، فإن «الرقم المعلن» لتبرير الزيارة بعيد جداً عن الواقع، وثمة فرق شاسع بين توقيع عقود نهائية وتوقيع «رسائل نوايا»، وإن تضمنت «بعض الأرقام الطنانة الرنانة». فالحديث عن مفاعل نووي لتحلية المياه هو «حديث عن مشروع لا يمكن تنفيذه قبل عشر سنوات»، بحسب مصدر مقرب من شركة «أريفا»، التي عرضت عوضاً عن ذلك محطة كهربائية كلاسيكية. كذلك فإن الفريق الليبي لم يؤكد طلب «شراء طائرات رفال المقاتلة»، بل تحدث «عن اهتمام بهذا النوع من الطائرات المقاتلة». وبالعكس، فإن ليبيا مهتمة بـ«تطوير طائراتها القديمة من طراز ميراج» وهو عقد لا يتجاوز عشرات الملايين من الدولارات فقط. أما بالنسبة لعقود بناء الطرق، فهي باتت متعلقة بـ«البيروقراطية الليبية»، حسب قول أحد رجال الأعمال. وحده عقد «إيرباص» أقرب إلى التنفيذ. إلا أنه بحسب مقرب من الشركة المصنعة، عقد «قديم، تم توقيعه في الربيع الماضي»، وأُخرج اليوم لأهداف إعلامية حتى لا تبدو الزيارة «الثقيلة الوطأة» وكأنها ثمن الإفراج عن الممرضات البلغاريات.