strong>شهيرة سلوم
في مدينة بالي الإندونيسية، اجتمعت وفود من أكثر من 190 دولة على مدى عشرة أيام، في محاولة للتصدي للاحتباس الحراري والتوصّل إلى خريطة طريق لتطوير اتفاقية إطار للمناخ تحل مكان بروتوكول كيوتو، في ظل استمرار الممانعة الأميركية

من المفترض أن تؤمّن الاتفاقية الجديدة المزمع عقدها عام 2009، الأداة السياسية التي ستلتزم الحلول، علّها تستطيع أن تحقق الأهداف التي عجز عنها «كيوتو»، الذي وُقِّع عام 1997 ووضع معدلات إلزامية لانبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون المسبّب للاحتباس الحراري في الدول الصناعية (خفضه إلى 5.2 في المئة عن مستواه في عام 1992 وخلال عشر سنوات)، التي تأتي بمعظمها من الوقود الأحفوري وقطع الغابات مسببة الاحتباس الحراري. لكن لم تستطع الدول الموقعة على البروتوكول الوصول إلى المعدل المطلوب حتى الساعة، فقد أفادت تقارير الأمم المتحدة بأن انبعاثات 40 دولة صناعية كبرى زادت إلى 18.2 مليار طن في عام 2005 في مقابل 18.1 مليون طن في عام 2004، وكانت تقل بنسبة 2.8 في المئة فقط عن مستواها القياسي المسجل عام 1990 البالغ 18.7 مليار طن.
رغم ذلك، يعدّ «كيوتو»، الذي ينتهي العمل به عام 2012، إنجازاً، لكونه ألزم الدول الصناعية وضع قيود على قطاعاتها التي تسبب انبعاثات الغازات الدفيئة، ولعل أبرز ما أنتجه البروتوكول هو «تجارة الكاربون» حيث خلق «منفعة اقتصادية» من وراء الحد من انبعاثات الكاربون التي تسمح للدول الصناعية، المنتج الأكبر للغاز الدفيء، بيع ما يمكن أن توفره من انبعاثات الغاز إلى الدول الأخرى التي لم تستطع أن تصل إلى الحد المفترض، وبالتالي تحقق منفعة اقتصادية من جراء هذه العملية.
كما يمكن الدول النامية أن تستفيد من هذه التجارة، أولاً لأن «كيوتو» لم يُلزمها أي واجبات، وثانياً لكونها أصلاً لم تصل إلى مستوى الدول الصناعية من الانبعاثات، ما يمكنها من تحقيق فائض عالٍ وبيعه إلى الدول الصناعية. لكن هذه الأخيرة قد تستغل هذه النقطة لمصلحتها من خلال عدم الاعتماد على التكنولوجيا النظيفة التي يمكن أن ترفع من كلفة قطاعها الصناعي، وتبيع ما تخلّفه من انبعاثات إلى الدول النامية التي بدورها ستتلكّأ عن تطوير قطاعها الصناعي ما دامت تحقّق مردوداً من عمل غيرها، وهذا ما يشكّل نقطة ضعف «كيوتو».
وهذه التجارة كانت السبب الرئيسي وراء مصادقة روسيا على البروتوكول، لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، أُغلقت صناعات عديدة مسببة في انبعاث الدخان، ما يعني أن الانبعاثات الروسية لا تزال أقل بكثير من مستوى 3 مليارات طن التي سجلتها عام 1990، وبالتالي حققت فائضاً يمكنها بيعه.
ورغم الإيجابيات التي يحتضنها «كيوتو»، إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد توقيعه عام 1997 في مدينة كيوتو اليابانية، بل استلزم 7 سنوات ليستوفي شرط تطبيقه، ألا وهو مصادقة 141 دولة، وهو ما حصل في شباط عام 2005. أما الدول التي وقعته، لكنها لم تصادق عليه، فهي الولايات المتحدة، ومعها موناكو وكرواتيا وكازاخستان وزامبيا، وصادقت أوستراليا عليه منذ أيام في مناسبة مؤتمر بالي.
تعدّدت أسباب عدم توقيع الولايات المتحدة على «كيوتو»، وكان أولها الاعتراض على استثناء الدول النامية، وفي مقدمتها الصين، التي تُعَدُّ دولة صناعية ومسببة رئيسية لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
وسبب استثناء الدول النامية من تطبيق «كيوتو»، يكمن في كون هذه الدول لم تشهد الثورة الصناعية التي مرت بها الدول المتطورة، وبالتالي فهي حقيقة لم تنثر الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما يعني أنه لا يمكن فرض موجبات على أطراف لم تستفد من وراء الفعل المسبب. ورغم أن الصين تعدّ اليوم، بفعل الحركة الصناعية الضخمة التي تشهدها، مسبباً رئيسياً لانبعاثات الغازات السامة، إلا أنها لا تملك «رصيداً» من هذه الانبعاثات في حسابها السابق، وبالتالي في المجمل لم تصل بعد إلى الحد الذي وضعه «كيوتو». لكن هذه النقطة هي ما دفعت دول العالم إلى تطوير اتفاقية مُناخية تحل محل «كيوتو» وتدخل فيها الدول النامية، وفي مقدمتها الصين، وتنتزع الحجّة التي تتذرّع بها واشنطن.
أما الحجة الأميركية الثانية فهي «عدم اقتناعها بالتقارير العلمية المتعلقة بالاحتباس الحراري، ومسبباته ونتائجه»، واعتبار أنها غير مثبتة بشكل قاطع، فضلاً عن كونها لا تحبذ الالتزامات الدولية بل فقط ما تفرضه قوانينها الوطنية. وهنا تجدر الإشارة إلى دور الشركات المتعددة الجنسيات التي روّجت لهذه المقولات، وفي هذا السياق يأتي اتهام نائب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، آل غور، لشركة أكسون بالترويج لشائعات تدعي أن الاحتباس الحراري لا يعود إلى انبعاثات الغازات الدفيئة، كي تحمي مصالحها باعتبارها المسبب الرئيسي للتلوث البيئي بحكم استخدامها للغاز الأحفوري.
الحجة الثالثة، والأكثر أهمية، هي «المنفعة الاقتصادية»؛ فالتزام الولايات المتحدة بالاتفاقية الاطارية للمناخ سيجعلها تضع قيوداً على استثماراتها الداخلية كي تحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ما سيدفع إلى تراجع دخلها الوطني بما نسبته 25 في المئة، حسبما أفادت تقارير سابقة، لذلك تفضل أن تنتظر النتائج التي يمكن أن تحققها ولاياتها في المجال البيئي (وهو ما بدأته فعلياً في الآونة الأخيرة) قبل أن تقدم أي التزامات دولية مستقبلية. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تنضم إلى أي اتفاقية تعرقل نموها الاقتصادي أو تلتزم حدوداً معيّنة للانبعاثات، وهو ما سيضعها في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي.
والتقارير الأخيرة رجحت أن يكون انتشار بعض الأوبئة والأمراض كالسارس وإنفلونزا الطيور، إضافة إلى الكوارث الطبيعية من الزلازل والأعاصير وتسونامي وغيرها من مخلفات الاحتباس الحراري. وقد أكّد العلماء أنّ هذه الظاهرة ستؤدي، إذا لم يتوصل المجتمع الدولي إلى معالجتها، إلى «نهاية العالم» أو ما سُمِّي «ساعة القيامة»، لذلك ينبغي لمختلف الأطراف الدولية الفاعلة من دول ومنظمات ومجتمع مدني وقطاع خاص معالجة هذه الإشكالية، من خلال تقديم التزامات دولية لخفض الانبعاثات والبحث عن بدائل للطاقة المسببة للانبعاثات.
ورأى تقرير حمل عنوان «تغيّر المناخ كخطر أمني»، عُرض خلال المؤتمر واستغرق 5 أعوام لإعداده، أن ارتفاع حرارة الأرض قد يؤدي الى هجرة واسعة وتعطيل التجارة وكذلك الى صراعات بشأن الاراضي الزراعية وموارد المياه من أفريقيا إلى آسيا.
وقال أحد واضعيه، إن «التكيّف مع التغيّر المناخي لم يعد خياراً، بل ضرورة من أجل البقاء»، لكن إذا استمر الوضع البيئي بالتدهور على هذه الحال، فحتماً لن يكون هناك بقاء من أجل التكيف معه.
وحذّر مدير معهد بوتسدام هانز يواكيم شيلنوبر من أنه إذا أصبحت التصورات العلمية بشأن ارتفاع حرارة الأرض حقيقة «فقد يواجهنا شيء ما كحرب أهلية على المستوى العالمي مع جيوب صراعات كثيرة».